استمراراً للحديث غير المنقطع عن أمراض العصر الحديث التي أصابت الكثيرين ليتغير شكل المجتمع وسلوكياته بشكل مخيف، قد تطور إلى القتل الذي بات سهلاً سريعا على بعض الشباب، هذا الذي لا يعلم عن دينه وما يحث عليه من أخلاقيات إلا أقل القليل.
فلم تمر سوى أيام قليلة على حكم إعدام قاتل نيرة أشرف، لنلتقط أنفاسنا ونعتبرها عبرة لمن يعتبر، ورادعا قويا لمن تسول له نفسه أن يكرر هذه الفعلة البشعة، إلا وصحونا على جريمة أخرى لهذا الشاب الذي قتل سلمى زميلته بالجامعة عندما رفضت الاستمرار معه لأي سبب كان.
حكم القضاء السريع القاطع بإعدام هذا الشاب، لم يمنع تكرار نفس الجريمة، دون التوقف للحظه للتفكير بتبعات فعلته، وما قد يترتب عليها من انتهاء حياته ومستقبله بالكامل.
فإن لم يكن لدى هذا القطاع من الشباب رادع ديني أو أخلاقي، فعلى الأقل يكون هذا الرادع خشية العقوبة القاسية التي ستودي بحياته، تلك التي أعتقد أن لا قيمة لها نظراً لتراكم الكثير من الأمراض والعقد النفسية والإحباطات المحيطة وغيرها من أسباب الاستهتار حتى بالحياة.
إذن:
وجب علينا ونحن نحارب الفساد وندعو إلى إيقاظ الضمائر التى تغط الآن فى نومٍ عميق، ونسترجع القيم والأخلاقيات والتقاليد التى تربينا عليها قبلما تختفي بشكلٍ عام اللهم إلا قليلاً..
لا بد لنا من وقفة طويلة للتأمل ومراجعة النفس لنقف بحق على دواعى ومسببات ما آلت إليه أوضاع مجتمعاتنا العربية بشكلٍ عام والمصرية بشكلٍ أكثر خصوصية.
فالأخلاقيات التى عرفها الإنسان القديم قبل نزول الأديان السماوية بآلاف السنوات تم وضعها لتنظيم العلاقات والتعاملات بين الناس، بعدما استقر الإنسان على ضفاف وادى النيل وعرف الزراعة وبنى البيوت ووضع القوانين التى تحميه وتضمن حقوقه بين الآخرين بعد أن انتهى عصر البدائية والهمجية، إذ كان الإنسان فيه أشبه بالحيوان المفترس الذى يلتهم كل من يعترض طريقه أثناء رحلة البحث عن الطعام حتى وإن كان من يجاوره فى الكهف الذى يسكنه!
فكانت هناك، ومنذ قديم الأزل، مجموعة من القيم الأخلاقية التى اكتسبها الإنسان يوماً بعد يوم فاستتبت، وتأصلت، وباتت أشبه بالقوانين العرفية التى يحترمها ويقدسها الجميع بشكل ودى، ومن يتخطاها أو يخرج عنها لا يستطيع أن يواجه المجتمع أو حتى يرفع رأسه خجلاً من كونه خارجاً عن التقاليد التى كانت أقوى وأشد صلابة من القوانين المكتوبة.
ثم جاءت بعد ذلك الرسالات السماوية لتؤكد وتؤصل تلك القيم الأخلاقية التى كان عرفها وعمل بها الإنسان بالفعل، فحثت جميعها على الفضائل وحسن التعاملات بين البشر، مع العلم أنه كانت هناك نماذج شاذة ممن يفسدون فى الأرض ويتحدون الأعراف والمألوف ليخرجوا عليه وهم عادة ما يكونون قلة منبوذة معروفة للجميع.
ولكن:
ما الذى أضاع الأخلاق وأطاح بمكارمها وأفضالها ليتم حفظها فى مجموعة من الكتب الجميلة التى هجرها البشر لتحل محلها لغة العصر الحديث بأخلاقياته الجديدة ومستجداته من السلوكيات الرديئة لتمحى تماماً ما علمناه وتعلمناه من آبائنا وأجدادنا عندما كانت هناك أمانة، وكان هناك صدق وقبل أن يختفى الإحسان واحترام الكبير والعطف على الصغير وقبل أن تستحكم أزمة الثقة وتنعدم المروءة والشهامة!
فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"،أى أن الأخلاق وُجدت مع بداية وجود الإنسان واستقراره، وجاءت رسالة الإسلام كآخر ديانة سماوية لتتوج وتتمم تلك المكارم و تؤكدها لتكون منهجاً موثقاً تسير عليه الأمة كلها.
فقد اتصف النبى عليه الصلاة والسلام بحسن الخلق، كما وصفه الله جل وعلا فى سورة القلم "وإنك لعلى خُلقٍ عظيم."
كما تجسدت من قبل مع ظهور المسيحية تلك الأخلاقيات النبيلة الرفيعة مثل الحلم والصبر والتسامح وغيرها فى شخص المسيح عيسى بن مريم، والتى رآها وعاشها وتشبع بها كل من عاصره فى حياته لتستتب وتستقر وتتأصل وتتحول إلى منهج تسير عليه و تعمل به أمته من بعده.
فالأخلاق أعزائى هى الضامن الوحيد الذى يضمن استمرارية الحياة على الأرض بسلام و مودة و هى الضامن أيضاً لاستمرار النهضة فى المجتمع فلا ترجمة لانعدامها سوى الدمار والخراب والخيبة !
فقد يستمد الناس أخلاقهم من الأعراف والتقاليد وقد يستمدونها من الدين، ولكن فى النهاية هذا يكمل ذاك ويقويه ويؤكده . .
⁃و بما أن تطورات العصر الحديث بكل ما تحمله من سلبيات قد طغت على الالتزام بهذه الأخلاق أو ربما نسيانها التام والتغاضى عن الالتزام بها حتى تحولت إلى مجموعة من الجمل المعبأة داخل أوراق الكتب المحفوظة على الأرفف، والتى لا تعلم عنها الأجيال الحالية أى شىء خاصة بعد أن نسيها أو تناساها من تعلموها وعملوا بها سنوات من الأجيال السابقة قبل أن يتخلوا عن الالتزام والعمل بها!
⁃أى أن الأجيال التى تربت على القيم والمبادئ التى يقدسها ويحترمها الجميع ومن يخرج أو يشذ عنها، يصبح بنظر المجتمع مذنبا متمردا وربما منبوذا، قد انجرفت بفعل شدة التيار الذى صاحب هذا الانحدار والتدنى الخلقى والانهيار القيمى هى الأخرى لتواكب صيحات العصر الحديث وتركب الأمواج الجديدة،
⁃و لم يعد هناك من يستطيع أن يحمى نفسه وأهله من دمار هذا الطوفان ويحتمى بعاداته وتقاليده وقيمه العريقة لينقلها لأولاده اللهم إلا قليلا!
⁃إذن: فكيف نعلم أبناءنا الأخلاق وفضائلها وأهميتها، ونغرسها بداخلهم منذ الصغر؟.
⁃لذا فأنا أناشد كل مسؤول بيده الأمر يرجوا خيراً لهذا الوطن ويتطلع لإنقاذ أجيالاً بعينها من براثن السقوط الحتمى بقاع التردى والتدنى واللامبالاة
فقد سبق وناشدت سيادة "وزير التربية والتعليم" لوضع مادة دراسية أساسية جديدة بعنوان "الأخلاق" داخل مناهج الدراسة بمراحل التعليم المدرسية المختلفة خاصة مرحلة التعليم الأساسى وقد كانت هناك استجابة مشكورة.
⁃ إذ أن تعليم الأخلاق للصغار كمادة أساسية والاستمرار فى تعلمها حتى نهاية المرحلة الثانوية ستنقذ الأجيال الواعدة التى هى بحق مستقبل مصر القادم وعمودها الفقرى الذى إن كان قوياً معتدلاً غير مصاباً بالعوج، اعتدلت واستقامت كافة الأمور،
⁃ومن ناحية أخرى وبفعل الإجبار والإلحاح والإلزام سيستعيد كل فاقد لذاكرته الأخلاقية وتاريخه وقيمه تلك الذاكرة من جديد بعد أن ينفض ما ترسب عليها من غبار سنوات طويلة من التخبط والتلوث السمعى والبصرى الذى يحاوطه من كل اتجاه.
وفى هذه الحالة سيضطر كل ناس أو متناس للتذكر والعودة الحميدة ليعلمها لهذا الطالب الذى يدرسها سواء كان له أب أو أم أو معلم أو معلمة، بذلك سيستفيد الصغار ويستفيق الكبار من غفلتهم التى غطوا بها بفعل الانخراط اللاإرادى بالحياة العصرية بكل مستجداتها السلبية التى التهمت بطريقها كل ما تبقى لنا من إيجابيات ونسمات لزمنٍ كان جميل.