حظر استخدام الشائعات والأكاذيب والفتاوى فى وسائل الإعلام
خبر تناقلته وكالات الأنباء على استحياء خلال الأيام الماضية يفيد بإطلاق هيئة تنظيم الإنترنت فى الصين حملة ضد الأخبار المضللة، التى يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعى، والسبب الذى أعلنته الحكومة هناك أن كثرة الشائعات والأخبار الوهمية المنتشرة على تلك المواقع يتم تداولها على نطاق واسع على أنها حقائق مؤكدة، مما يتسبب فى إثارة الذعر وتكدير الأمن، كما أعلنت الهيئة فى بيان لها منع وسائل الإعلام سواء الصحف أو التليفزيون من نشر أى معلومات نقلا عن مواقع التواصل الاجتماعى بدون موافقة المشرف الذى يعمل لدى الحكومة، بمعنى آخر، حظر استخدام الشائعات فى إنتاج الأخبار أو استخدام التخمينات والخيال لتشويه الحقائق.
الخبر أثار حملة من الهجوم الغربى على الحكومة الصينية، ولكنه الهجوم المعتاد أنها حكومة قمعية وتعادى الحريات وحقوق الإنسان وتعلن معاداة القيم والثقافة الغربية، وهى اتهامات عادة ما تواجهها الصين بالإهمال الممزوج بالاحتقار وتسعى بجدية شديدة لخلق وسائط بديلة للتكنولوجيا الغربية فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعى ومحركات البحث العملاقة وكل ما يتعلق بالتطبيقات الخاصة بفضاء الإنترنت الرحب بعدما أدركت مبكرا جدا وبحكم تاريخها فى الصراع والتنافس العسكرى والاقتصادى مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن عصر السماوات المفتوحة سيفرض طورا جديدا من الحرب المعلوماتية والتكنولوجية.
نحن فى المنطقة العربية، لا نملك القاعدة الصناعية والتكنولوجية التى تملكها الصين، كما أننا فى موازين القوى الدولية دولا من العالم الثالث المستباحة أراضيها وثرواتها وتراثها ومستقبلها، ولذلك لم نستطع مواجهة السماوات المفتوحة بما يليق بها من أدوات وتحولنا من دول ذات سيادة وحدود واستقلال إلى كيانات مكشوفة تتحرك بالتوجيه المباشر وغير المباشر، استقبلنا مواقع التواصل كمن خرج من القمقم إلى أرض مزروعة بالألغام، فأنسته فرحته بالخروج من قمقم الكبت السياسى مخاطر الموت بألغام مواقع التواصل التى لم يسهم فى صناعتها أو تدشينها ويستهلكها بغشم مصدقا كل مافيها وكأنه الحق الذى لا يأتيه الشك.
عندما ننظر إلى موقفنا الآن وموقف الصين مثلا، نجد أن الصين قادرة على التحكم فى جميع مخاطر مواقع التواصل الاجتماعى وتحجيم مخاطر الإنترنت وأشكال الاختراق الحديثة، كما استطاعت حماية سيادتها الوطنية، بينما نحن على العكس من ذلك، تم هزيمتنا عدة مرات فى هذه الحروب غير المرئية، فلم نعد قادرين على مواجهة الجحافل من الإرهابيين والمخربين والجواسيس على مواقع التواصل لأنهم يختبئون خلف الكيبورد ووراء الحسابات والأسماء الوهمية لينشروا الشائعات والأخبار المسيئة ويشنون الحروب النفسية والأكاذيب لإثارة قطاعات المجتمع.
لم نستطع حتى الآن إدارة ملف المعلومات والشائعات والحروب الحديثة على مواقع التواصل الاجتماعى، لسبيين، أولهما أننا لم نشارك فى صناعة هذا المنتج التكنولوجى ولا نعرف حتى الآن الأهداف من ورائه ولا نستطيع إدارته حسب ما نريد لتعظيم الأرباح وتقليل الخسائر، والسبب الثانى أننا لا نمتلك الوعى ولا الثقافة التى تمكننا من ترتيب أولوياتنا ومعرفة ما هو فى صالحنا وما ضدنا، وكذا إدراك المخاطر على الدولة التى ننتمى إليها والمجتمع الذى نعيش فيه، فالغالب علينا هو استهلاك المعلومات والشائعات استهلاك الدواب للتبن فى عملية بدائية مباشرة تبدأ بالازدراد وتنتهى بالإخراج، كما نعانى من فوبيا الثوابت والرموز، نخشى أن نكون تقليديين نقدس البلد والعلم والحدود، ونخشى أن نتهم بالشوفينية لو أعلنا الدفاع عن مصالح بلادنا، ونظن أن المعارضة أفضل من دعم النظام الوطنى فى حروبه ضد أعداء البلد!
إجمالا، هل نستطيع أن نسير على خطى الصين فى ترشيد استخدام محتوى مواقع التواصل الاجتماعى فى وسائل الإعلام؟ نحن أحوج ما نكون إلى الفصل بين الشائعات والأقوال المرسلة والأكاذيب التى لا يمكن محاسبة مطلقيها وبين النوافذ الإعلامية الخاضعة للقانون والمواثيق النقابية والمهنية، ففى ذلك إنقاذ للإعلام من الانهيار تحت عجلات الغوغائية المجتمعية، كما أن فيه ضبط ما هو خبر ونبأ موثق بعيدا عن الشائعة والكذبة والقول المرسل والافتراء وسهام الحروب النفسية.