كيف أجعل طفلي يتخلى عن الأنانية؟ ما الطريقة المثالية التي يتعلم معها تحمل المسئولية؟ عشرات الأسئلة عبر منشورات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، لمواقف متباينة، جادة وغير جادة تتعلق بالتربية وسلوكيات الأطفال في المرحلة العمرية من 3 إلى 9 سنوات، والأهم من هذه الأسئلة هو حجم الردود الخاصة بها، ونمط التعامل معها، وفلسفة أولياء الأمور ، وتحديداً الأمهات، في التفاعل والردود والتعامل مع النصائح الجاهزة التي يقدمها الخبراء.
"الحياة لا تزال جديرة بالاهتمام ما دمت تبتسم"، كلمات مأثورة للممثل الإنجليزي الشهير تشارلي تشابلن، لذلك ابتسم وتعامل مع الأمور بطريقة أبسط مما يتصور البعض، ولا تتوقع أن التربية خبرة سوف تكتسبها من منشور على فيس بوك، أو كتاب لأحد خبراء التربية الإيجابية، كما يتم تعريفهم في الصحف ووسائل الإعلام، أو حتى مقال كالذي بين يديك الآن، فالتربية عملية معقدة تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، وكل شخص له خبراته الخاصة عنها، وقد أزعم أن لكل شخص تجربة فريدة في التربية والتعامل مع الأبناء والبنات، لذلك لا يمكن أن نعمم القواعد، بل يجب أن تعيش تجربتك الخاصة، وتتعلم منها.
كل طفل يعيش حالته الخاصة، فلا تجعل من أطفالك حقول تجارب لكل ما تقرأ أو تسمع ولا تتصور أن كل سلوك إيجابي ستحاول إلزامهم به سينعكس على شخصيتهم بنفس الصورة التي ترسمها، ولا تظن أنك قادر على تحويل طفلك إلى نموذج إيجابي ومثالي كما تقرأ في الكتب، فالبيئة المحيطة ومصادر التعلم المتنوعة، والخبرات التي يكتسبها، تتداخل في وسائل التربية، لذلك عليك أن تحاول دائماً دون انتظار نتائج مثالية.
التربية عملية صعبة جداً ومعقدة بصورة تجعلها أهم من أي عمل آخر، ولا ترتبط بما وصلت إليه من مستوى تعليمي أو علمي، فكم من أمهات أميات ونجحن في تربية نماذج مبدعة نتحاكى بها، وكم من أساتذة وعلماء ومشاهير فشلوا في تقديم تربية سليمة لأولادهم، لذلك لا تربط المستوى التعليمي أو المهني أو المادي بالتربية، فالصفات الأساسية والتمييز التلقائي بين الخير والشر، والصواب والخطأ لا يحتاج إلى جامعات أو دراسات مستفيضة، وتعرفه كل الطبقات الاجتماعية، لكن يتم تمييزه بالحاسة الخلقية، والتجارب الإنسانية التي نمر بها يومياً.
إذن ما الحل؟ وكيف نبدأ طريقاً للتربية السليمة بعيداً عن "التعليب" والعبارات الجاهزة التي يتم تسويقها من خلال السوشيال ميديا، أتصور أن البداية تكون من وضع الأسس والمعايير الصحيحة للتربية، دون فرض نماذج أو أفكار بعينها على الطفل، بل نتركه ليكتشف العالم بطريقته ويكون تجاربه الخاصة، ثم الحوار حولها والتعلم من خلالها فكرة الصواب والخطأ، دون الاعتقاد بأن الموضوع امتحان ومطلوب من الطفل أن يكتب الإجابة النموذجية، أو يكرر ما تقول بالحرف، كأنه ببغاء لا يجيد أكثر من التكرار الممل.
لكل طفل شخصيته وطموحاته، بل هواجسه ومخاوفه أيضاً، لذلك يجب أن نضع في اعتباراتنا هذه الأمور بالطريقة السليمة، فالطفل الذى لم يتجاوز عامه السادس، قد يرى القدوة في الشخصية الخيالية "سبايدر مان"، ولا يمكن أن يتحول فجأة لسماع الموسيقى الهادئة أو قراءة الشعر والتعلق بالأدب، فكل مرحلة تفرض تحولاتها وأولوياتها، لذلك لا تتعجل، وضع في اعتبارك دائماً أن التفاهم والهدوء والابتسامة أقرب الوسائل للوصول إلى عقل وقلب طفلك.