لقاء أخوى بين الرئيس عبد الفتاح السيسى وعدد من القادة العرب، ومنتدى للشباب، يتخللهما مهرجان للهجن، ومعارض تراثية، فى مدينة العلمين الجديدة، لتتحول إلى "واحة" تستقطب الأنظار، فى إطار أهمية الأحداث والقضايا، التى تناقشها القمة، جنبا إلى جنب مع التركيز على الشباب، فى إطار ملتقى "لوجوس"، والذى ترعاه الكنيسة القبطية، ويمثل امتدادا مهما للجهود التى تبذلها الدولة المصرية فى إطار تمكين الشباب، والربط بين المصريين فى الداخل والخارج، والحرص الدائم على تبادل الخبرات بينهما، ناهيك عن تعزيز الانتماء لدى أبناء الأجيال الجديدة ممن قضوا معظم حياتهم خارج "الوطن الأم"، وهو ما يعكس حالة من التكامل بين كافة المؤسسات فى الدولة لتحقيق الأهداف التى وضعتها "الجمهورية الجديدة" على عاتقها، من أجل تحقيقها، منذ لحظة انطلاقها.
ولكن بعيدا عن حالة التكامل، التى تجسدت بجلاء فى أحداث بعينها، على غرار الحريق الأخير بكنيسة "أبو سيفين"، والذى أدمى قلوب ملايين المصريين، وهو ما بدا فى تحرك كافة المؤسسات، بدءً من الرئاسة، ورئاسة الحكومة، مرورا بالوزراء المعنيين، وحتى الأزهر الشريف، وصولا إلى منظمات المجتمع المدنى، والمواطنين العاديين، ربما نجد أن التزامن بين اللقاء الرئاسى مع القادة العرب، والذى يحمل طابعا رسميا، وملتقى الشباب الذى يمثل جزءً من النهج الناعم الذى اعتمدته "الجمهورية الجديدة"، بالإضافة إلى المهرجان والمعارض التى تشهدها المدينة العملاقة، هو بمثابة نموذج مهم للاعتماد المتوازن على الجانبين الرسمى وغير الرسمى، فى إدارة مختلف القضايا التى تتبناها الدولة.
فلو نظرنا إلى لقاء القادة العرب، نجد أنه يستلهم أهميته من استثنائية اللحظة الدولية الراهنة، جراء الأزمة الأوكرانية، وتداعياتها الكبيرة، على مستوى الاقتصاد العالمى، بينما يبقى الملتقى الشبابى، والذى حظى بمشاركة رئيس الوزراء، انعكاسا للأولوية التى تمنحها الدولة لفئة الشباب، والحوار معهم، فى إطار وطنى، بينما يحمل توقيتهما المتزامن، رسائل مهمة، ربما أبرزها تنوع أدوات الدبلوماسية المصرية، بين الإطار الرسمى التقليدى (لقاء القادة العرب) من جانب، والجانب الناعم (ملتقى لوجوس) من جانب آخر، ناهيك عن الاحتفاظ بالأولويات وعدم تواريها أو تراجعها فى أجندة الدولة بحكم الظروف، مهما كانت استثنائيتها، بينما يبقى محل الانعقاد فى مدينة العلمين، إلى جانب أحداث أخرى ذات طابع ترفيهى أو ثقافى، بمثابة جانب أخر يحمل طابعا ترويجيا للدبلوماسية المصرية، لتقديم الصورة الحقيقية لـ"الجمهورية الجديدة"، بعد محاولات عدة من هنا أو هناك لتشويهها.
ولعل اختيار مدينة العلمين الجديدة، بمثابة فرصة مهمة للترويج إلى سياحة المؤتمرات، والسعى نحو استقطاب المستثمرين، ولفت انتباههم للإمكانات العملاقة التى تملكها مصر فى المرحلة الراهنة، وقدرتها على خدمة أعمالهم، وهو ما يمثل أولوية كبيرة فى ظل الاهتمام الكبير من قبل الحكومة بتحقيق التنمية الاقتصادية، لتوفير الرخاء لمواطنيها، ولكنها أيضا بمثابة واجهة مهمة، اجتمعت فيها كافة "أدوات" الدبلوماسية المصرية، لتقدم بدورها بعدا دبلوماسيا أخر، يمكننا تسميته بـ"الدبلوماسية الترويجية"، والتى تقدم صورة مصر، فى ثوبها الجديد، بصورة عملية، تحمل قدرا كبيرا من المصداقية، بينما يمكنها تقويض حملات إعلانية أو مقالات مدفوعة، تهدف فى الأساس إلى التشويه وطمس الإنجازات التى تحققت على أرض الواقع فى السنوات الأخيرة.
وهنا يمكننا القول بأن المشهد الكلى فى مدينة العلمين الجديد، يبقى استعراضا مهما لكافة "أدوات" الدبلوماسية المصرية، بين التقليدى والرسمى، وغير الرسمى، ناهيك عن الأدوات الناعمة، والترويجية، بما يعكس تنوعا مهما، يمثل امتدادا للتعددية التى باتت تمثل منهجا للعلاقات الخارجية، واستطاعت من خلاله تجاوز فكرة القيادة الإقليمية، نحو القيام بدور أكبر فيما يتعلق بالعديد من الملفات الدولية الملحة، على غرار أزمة المناخ، والتى تمثل أولوية عالمية قصوى، ناهيك عن موقفها المعتدل من الأزمة الأوكرانية، بالإضافة مواقفها المقدرة دوليا تجاه الحرب على الإرهاب، والوباء وغيرها خلال السنوات الماضية، والتى أضفت قدرا كبيرا من الثقة الدولية والثقل الدبلوماسى لـ"الجمهورية الجديدة".