هناك تخوف لمسته أثناء حضورى لمؤتمر التسامح ومواجهه العنف والتى نظمته الهيئة القبطية الإنجيلية يوم الاثنين الماضي بالعين السخنة لدى الكثير من التنفيذيين والمثقفين الذين حضروا المؤتمر من غياب واختفاء قيم التسامح والتراحم والمحبة بين أبناء الشعب المصري.
السبب معروف كما قالوا، فخطاب العنف والكراهية والقتل أصبح له الصوت الأعلى في عدد من القضايا الاجتماعية والشخصية وخير مثال على ذلك قضية قتل نيرة أشرف، فتاة المنصورة، وسلمى بهجت، فتاة الشرقية، وبعض القضايا المتناثرة الأخرى خلال الفترة الماضية.
وهنا كان- ومازال- لي سؤال، هل وقوع جريمة أو جريمتين أو ثلاثة أو حتى 10 جرائم قتل هو المرادف لاختفاء قيم التسامح والتراحم والعفو والمغفرة بين أبناء الشعب الواحد وهل معنى ذلك أن المجتمع في خطر وأن الأمن الاجتماعي والسلامة الاجتماعية في مصر مهددة.
بالتأكيد لست مع التهوين والتقليل من خطورة مثل تلك الجرائم خاصة إذا كانت جرائم تتعلق بعلاقات عاطفية كانت قديما- زمان يعني- بعتاب للحبيب أو للحبيبة ثم اللجوء الى أغاني حليم والست للتخفيف من آثار الهزيمة العاطفية وقي النهاية التمني للحبيبة بحياة سعيدة مع من تتزوجه وتختاره، كانت هي تلك النهايات في الغالب للعلاقة العاطفية في العمر الصغير وداخل أسوار الجامعة مع وجود المرجعية الفنية والفكرية والدينية التي نستند اليها في حالة الانكسار العاطفي وحتى في حالة بزوغ فجر الحب، قبل أن تتحول نهاية العلاقة إلى "سكاكين" ومسدسات" للانتقام من الحبيبة.
لكن في الوقت ذاته لست مع التهويل من وقوع هذه الجرائم وإلا فمن المفترض أن ينتهي وينهار المجتمع الأمريكي الذي يشهد بشكل شبه يومي جرائم قتل مروعة تمس البعد الاجتماعي للشعب الأمريكي وبقضايا المزمنة مثل العنصرية والتمييز والتنمر.
فالقيم لا تغيب وإنما ما يغيب ويختفي بعض الوقت هو أشكال وأدوات قيم التسامح بالتزامن مع ظروف اقتصادية وسياسية معينة أو نتيجة تراكم لأخلاقيات وافدة على المجتمع من أزمنة سابقة، فقيم التسامح تتجلى في عصور النهضة والحلم ثم تغفو وتغيب في عصر الانحطاط – كما وصفه ابن خلدون في مقدمته-
ومصر مثلها مثل كثير من الدول مرت بصعود وهبوط اجتماعي في عدة عصور، والمهم كما يفعل منتدى حوار الثقافات التي تنظمه الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية برئاسة الرجل الواعي والمثقف الوطني الدكتور القس آندريه زكي أن نلقي الضوء على تلك الظاهرة ونشخصها ونجد لها الحلول قبل أن تستفحل وتستشري وتتحول إلى ثقافة عامة على عكس ما يتميز به المجتمع المصري.
والمسئولية هنا مشتركة وتقع على عاتق حماة "القوى الناعمة" في مصر مثل وزارة الأوقاف والتعليم والإعلام والثقافة والكنيسة ومراكز الدراسات الاجتماعية والبحوث الإنسانية، في إطار خطط مشتركة قصيرة الأمد وخطط استراتيجية طويلة الأمد.
العودة الى أشكال وأدوات التسامح من جديد يأتي بتضافر الجهود وإخلاص النوايا وبالتركيز من جديد على النشء في مراحل التعليم الأساسية والإعدادية بعودة الأنشطة الفنية والرياضية والتعليمية ومسابقات الوعي القومي إلى المدارس مرة أخرى، واعتبار مادة الأخلاق مادة دراسية إجبارية وليست مجرد كتاب يتسلمه الطلاب فقط دون قراءة، فأين مثلا حصة الموسيقى والرسم والتربية القومية في مدارسنا كانت هناك فرق فنون شعبية وفرقة غناء وكان قصر الثقافة مكانا لإبراز المواهب الصغيرة.
ربما أشار البعض في الملتقى إلى ملف الدين وهو ما يستدعي ضرورة أن يعود هذا الملف إلى ملفات الدولة، كما هو معروف أن الملك أو الحاكم في الدولة المصرية القديمة كان مسئولا عن أهم وأخطر ملفين وهما الدين والنيل، وهي ملفات القوى الناعمة بالمصطلح المعاصر بالإضافة الى التعليم والصحة.
من المهم في رأيي وقف موجة السيولة في الفتاوي الدينية وحصرها وقصرها فقط على علماء الأزهر والأوقاف المعتمدين، فالفضائيات امتلات ببرامج الفتاوي الدينية بعد أن كنا نشاهد حتى أوائل التسعينات إلى برنامج أو برنامجين دينين فقط وكان الشعب متدين ومتسامح أيضا.
عموما مثل هذه المؤتمرات والمنتديات مهمة للغاية لتكريس قيم التسامح في مواجهه خطاب العنف والكراهية والتنمر، وخاصة إذا كان الحضور يتمثل في رموز دينية مثل الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف والدكتور جابر طايع والقس الدكتور آندريه زكي ووزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم، والدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية وعمداء وأساتذة الإعلام ورؤساء التحرير وأعضاء مجلس النواب والشيوخ.