غياب «الثقة» وحضورها
يظن كثير من المسؤولين فى وزارة الثقافة أن لا أحد يتذكر ما يقولونه أو يتابع ما يفعلونه، لذا تجد أنهم لا يشعرون عادة بالقلق ولا يشغلهم الالتزام أو التأخير فى تنفيذ ما يحملِّون به أنفسهم، وما يقطعونه أمام وسائل الإعلام المختلفة من وعود، وما يقدمونه من آمال لتنفيذ مشاريع ثقافية تنتظر لحظة افتتاحها، وفى الفترة الأخيرة صار كلما سألنا عن المتاحف المغلقة منذ فترة، جاءت الإجابة، انتظرونا فى «30 يونيو»، وكأنها كلمة السر فى كل المشاريع الثقافية المعلقة التى تنتظر كلمة النهاية.
ويأتى 30 يونيو الميعاد المحدد لما قاله المسؤول، ولا نجد من يخرج علينا ليعتذر أو حتى ليقدم لنا تبريرات للتأخير، وهو أمر متوقع ويحدث لأسباب كثيرة، لكنهم للأسف يتعاملون كأنهم لم يكونوا ملتزمين بميعاد قالوه وحددوه، وانتظرنا نحن أن يصدقوا فيه لكنهم لا يفعلون.
فكرت فى هذه المسألة عندما سألنى صديق حول عدم اهتمام الشارع المصرى بالثقافة ومشروعاتها وأخبارها، وجدتنى أجيبه بأن الجميع مسؤول عن هذا الأمر، لكن المتحمل الأول لهذا الأمر هم مسؤولو الثقافة، وذلك لأن هؤلاء المسؤولين لا يصدقون أن المجتمع يمكن أن يستمع إليهم أو يتجاوب معهم أو يتأثر بهم وبما يفعلون، هم يتصرفون كأنهم يعيشون فى عالم منغلق، لذا لا يهتمون حتى بتصريحاتهم ولا يسعون لمتابعتها أو الالتزام بها، لأنهم يعتقدون أنهم كانوا يهمسون بهذه الوعود لأنفسهم.
ونضرب مثلا بذلك قصر عائشة فهمى الموجود فى الزمالك، الذى كان مقررا له 30 يونيو، حسب تصريحات الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، ولم يحدث، ولم يقدم لنا أحد أى اعتذارات، وعندما تدخلنا وسألنا أجابت نيفين الكيلانى، رئيس صندوق التنمية الثقافية، بأن الأعمال الكهربائية وأجهزة الإنذار تعيق افتتاح القصر، لكنها أيضا لم تقدم اعتذارا عن التأخير حتى لو كان لأيام قليلة.
الأمر أكبر من فكرة الشفافية أمام الرأى العام، وأكبر أيضا من فكرة المشاركة بين المؤسسات والمتلقين والمهتمين، إنه يتعلق بثقافة «الثقة» وهى غائبة عن كثير من الأنشطة الثقافية التى تنتجها الوزارة، بدليل أنها لا تتابعها، وربما مؤسسات كثيرة فى الدولة تعانى من المشكلة ذاتها، لكننا لو أدركنا أن وزارة الثقافة دورها الرئيسى هو صناعة الثقة داخل الأفراد فى المجتمع لعرفنا خطورة غياب هذه الصفة عن المؤسسات، وطالبنا وزارة الثقافة بأن تتحلى بثقتها وقدرتها على التغيير، وأن نتوقف على ترديد مقولة «إننا لن نستطيع التغيير فى هذا الشعب» بل نحن قادرون على شرط أن «نثق» فى أنفسنا فى البداية، ونعرف أن هناك من يتابع تصريحاتنا وينتظر أن نصدق فيها.