جورباتشوف والطريق إلى جهنم

توفي ميخائيل جورباتشوف آخر رؤساء الإتحاد السوفيتي، وصاحب نظريتي الجلاسنوس أو الشفافية، والبروسترويكا أو إعادة البناء، من المفترض في مثل تلك المناسبة أن نعدد مآثره وانجازاته، لكن الحقيقة أننا إذا كنا نعاني اليوم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، فان جورباتشوف هو أول من وضع بذورها ليحصدها العالم وتمتد إلى الآن! جورباتشوف هو تجسيد للمثل القائل "الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة"! فهو حين تولى رئاسة الحزب الشيوعى في الاتحاد السوڤيتي عام 1985، ليتولى الحكم، عمل إجراء تعديلات سياسية ودستورية بالاهتمام بحقوق الانسان والديموقراطية واحتكار الحزب الشيوعى للسلطة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكلها أمور طيبة. لكنه في ديسمبر 1987، قام بتوقيع عدة اتفاقيات مع واشنطن للتخلص من الصواريخ النووية متوسطة المدى في البلدين، وقام الاتحاد السوفيتي بتخفيض قواته التقليدية في أوروبا الشرقية، وكانت تلك البداية لاستقلال جمهوريات الاتحاد السوفيتي، التي استقلت خمسة عشر جمهورية، ومنها أوكرانيا التي أعلنت الاستقلال في ديسمبر 1991. لتتحول بعد ثلاثة عقود إلى خنجر في ظهر روسيا، التي كانت تابعة لها على مدى عقود ويجمعهما اتحاد واحد! لقد سعى جورباتشوف لتطبيق النموذج الغربي في الاتحاد السوفيتي، ففككه وأفقده هويته فلم يبق الدولة الشيوعية ذات القبضة الحديدية وأحد القوي العظمى في العالم، ولم تتحول لتصبح الدولة الديمقراطية الرأسمالية كما كان يتمنى! لكن هذا هو الخطأ الذي يرتكبه دائما أصحاب النظريات التي لا تراعي فروق المجتمعات والأزمنة والصراعات الدولية والأوضاع السياسية، ويعملون على تغيير مجتمعاتهم سواء كانت تلك المجتمعات مؤهلة للتغيرات المطلوبة أو أن طبيعتها وتكوينها لا تناسبه تلك النظريات التي أثبتت فشلها في العديد من الدول؟ ربما كانت نوايا جورباتشوف طيبة، مثل كثير من الحالمين لبلادهم بمجتمع حر ديمقراطي، ويرون في النموذج الغربي نموذجًا مثاليًا، لكن - في رأيي المتواضع – هذا خطأً كبير، فالنموذج الغربي ليس مثاليًا في كل شيء، وكل ما نراه من مظاهر الحرية والديموقراطية يخفي وراءه الكثير من التآمر والفساد، وبالتالي لم يكن جورباتشوف سوى اليد التي استخدمتها الولايات المتحدة لتفكيك الاتحاد السوفيتي، وقد انساق بغير قصد، وربما بقصد! جورباتشوف الذي تجاوز عمره التسعين عاما وتوفي منذ ساعات يحمل المسئولية كاملة عن تفكيك جمهوريات الاتحاد السوفيتي، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة في العالم لعقود، وحين ترك حكم بلاده تركه ضعيفا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيًا، ولم تستعد قوتها إلا بتولي فلاديمير بوتين الحكم منذ عام 2000، والذي أعاد لروسيا قوتها التي فقدتها مع حكم جورباتشوف ومن بعده بوريس يلتسن. ربما تكون الحرب الأوكرانية وبالًا على العالم، لكنها أيضا أعادت لروسيا هيبتها وقوتها ومكانتها في العالم رغم كل ما يردده الإعلام الغربي، ولو لم يكن جورباتشوف فكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي ما كان وضع أوكرانيا هكذا اليوم، واعتقد أنه سيظل يُذكر في التاريخ بأنه من تسبب في تحويل بلاده من قوى عظمى إلى دولة كبرى.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;