واقعتا اعتذار متقاطعتان، نكأتا الجراح العميقة التى تسكن أجساد الشعب العراقى بشكل خاص، والجسد العربى بشكل عام.
الأول، اعتذار تونى بلير، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، للشعب العراقى، عن الدور الرئيسى الذى لعبه فى الحرب على العراق، وذلك فى مقابلة له مع قناة الـ«سى إن إن» مؤخرا، حيث قال نصا: «إننى أعتذر بشأن حقيقة أن المعلومات الاستخباراتية التى تلقيناها كانت خطأ»، بجانب اعتذاره عن بعض الأخطاء فى التخطيط، خاصة الخطأ الأكبر فى فهم وتوقع السيناريو الذى كان سيحدث عند الإطاحة بصدام.
الاعتذار الثانى، كان للكاتبة العراقية «سمر الألوسى»، إحدى أبرز المعارضات لنظام الرئيس صدام حسين، حيث كتبت يوم الثلاثاء الماضى 5 يوليو، على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» نصا: «أعتذر منك يا صدام حسين لأننى رقصت وفرحت يوم سقوطك، لقد نسيت مجانية التعليم، ونسيت التغذية المدرسية، ونسيت الخدمات الصحية المجانية، ونسيت الصناعة العراقية، ونسيت الزراعة، ونسيت قضاءك على الأمية، ونسيت الخطوط السريعة والأسواق المركزية والحصة التموينية، وعدم السماح بالطائفية، وتوزيع الأراضى، وقروض الزواج، وتوزيع السلع المعمرة للمتزوجين، وحماية العراق، وإعدام اللصوص والخونة والسارقين، أعتذر منك لأننى لم أدافع عنك وعن بلدى»، وهو الاعتذار الذى نشرته معظم الصحف العراقية.
لكن ماذا تفيد كل اعتذارات الشعب العراقى ومعهم شعوب أمريكا وبريطانيا، وكل من تورط ولو بشطر كلمة فى تدمير العراق، وتلوثت أيديه فى قتل أكثر من مليون عراقى بدم بارد، ومن بينهم محمد البرادعى الذى لعب دورا خبيثا وحقيرا فى شن الحرب على العراق.
البرادعى دمر العراق، عندما أعطى الضوء الأخضر بجملته الشهيرة فى نهاية التقرير الذى أعده «أنه لم يتم العثور على أسلحة فى الأماكن التى تم التفتيش فيها مع المطالبة بالمزيد من الوقت لتفتيش العديد من المواقع الأخرى»، وهو إيحاء صريح بأن العراق يمتلك أسلحة محرمة، فى الوقت الذى أكد فيه السويدى الجنسية «هانز بليكس» أن العراق لا يمتلك أسلحة محرمة، ورفض الضغوط التى مورست عليه لتزوير تقريره.
والنتيجة كانت أن «هانز بليكس» قدم استقالته رافضا الاستمرار فى رئاسة بعثة مفتشى الأمم المتحدة، وأدلى بتصريحات تليفزيونية حول برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، تعارضت مع مطالب إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش وتونى بلير، التى كانت تسير فى إيجاد مبررات لغزو العراق، وفى مقابلة له مع تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية يوم 8 فبراير 2004، اتهم «هانز بليكس» صراحة الحكومتين الأمريكية والبريطانية، بأنهما ضخما كذبة وجود أسلحة الدمار الشامل فى العراق، من أجل تعزيز موقفهما فى شن الحرب عام 2003 ضد نظام صدام حسين.
بل وفى مقابلة له مع صحيفة الجارديان البريطانية، قال هانز بليكس، نصا: «هناك السفلة الذين يضخمون الأمور فى وسائل الإعلام لإيجاد مبرر لأمور غير أخلاقية بالمرة»، قاصدا بوش وبلير اللذين قادا مخطط تدمير العراق.
وإذا كان هذا هو موقف السويدى الجنسية، برفضه الضغوط لمنح المبرر لأمريكا وبريطانيا لتدمير العراق، كان العربى والمصرى «محمد البرادعى»، على النقيض تماما، حيث رضخ للضغوط، وأعطى الضوء الأخضر لتدمير العراق، لذلك استمر فى منصبه رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصل على المقابل «جائزة نوبل»، امتنانا وعرفانا بما صنعت يداه فى تدمير بلاد الرافدين.
البرادعى لم يكتف بتدمير العراق، وإنما حاول باستماتة أن يلعب نفس الدور فى تدمير مصر، بنفس الأساليب العجيبة فى تأجيج الشارع المصرى بمعلومات خاطئة، ونشر شائعات وتحليلات تحتضن الخيال، وتبتعد به عن الواقع بمئات السنين، وتسخير صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» لتنفيذ مخططاته.
اعتذار تونى بلير، هو دليل حقيقى يكشف تورط البرادعى فى صنع مؤامرة تدمير العراق، ومحاولته الحثيثة للتنصل من المسؤولية، إنما يعد ضربا من ضروب الوهم والخيال، فأيديه ملوثة بدماء مليون عراقى.
وحاول البرادعى أن يستنسخ الدور الذى لعبه رجل الأعمال والسياسى العراقى «أحمد الجلبى»، فى إقناع الولايات المتحدة الأمريكية للإطاحة بصدام حسين فى عام 2003، وكان سببا جوهريا من ضمن الأسباب التى دمرت العراق، وذلك لتطبيقه بنفسه فى مصر، لكن مصر كانت عصية عليه لأن لديها شعب وجيش يحميها.
يوما بعد يوم تتكشف حلقات سلسلة المؤامرات التى تقودها أمريكا وبريطانيا لتدمير بلادنا، ورغم ذلك تجد عينات ممن يطلقون على أنفسهم «نشطاء»، يسخفون من نظريات المؤامرة، لإبعاد الأنظار عن مخططاتهم الهادفة لإسقاط مصر.