عادة كل مساحة تترك دون أن نملأها هي فرصة للاحتلال من أي طرف أيا كانت نواياه وبواعثه، وبالتالي ففي تلك المساحات المتروكة عادة تظهر فكرة الكائنات الطفيلية، والتي تتغذى على الأفكار الضعيفة بتشويشها وتضليلها، وبمعنى أقرب للفهم فلو أننا لم نتحدث في موضوع ما تم اثارته إعلاميا، ستكون تلك المساحة معرضة للحديث عنها من قبل أطراف تعد خطط و أفكار لتشويش المعلومات الصحيحة، وذلك لأن كثرة الضلال تشوش على الناس أفكارها، والحل النموذجى والصحيح هو دعم فكرة الوعى الشعبى السليم الذى يمكنه مقاومة تلك الأفكار الضبابية، و هو ما نجحت فيه الجمهورية الجديدة بامتياز حتى الآن.
وصناعة الوعى الشعبى في مصر هي صناعة أصيلة من مكاسب ثورة 30 يونيو، حيث أننا طوال عدة عقود مضت لم نشارك في فهم أبعاد الدولة وتهديداتها على الاطلاق، بل كان المشاركين والفاعلين في المشهد العام معروفين بالاسم والعنوان، حتى جاءت 2011 و مابعدها، وهى المرحلة الفاصلة في تأسيس فكرة الوعى الشعبى، إلا أن مرحلة ما بين 2011 و 2013 تداخلت فيها أطراف خارجية وداخلية توافقت على تغيير شكل المصريين لصالح أفكارهم، حتى أن قياديا إخوانيا قال لقد جاء الإخوان ليحكموا مصر 500 عام، وبالتالي كان التوافق على هيكلة شكل المصريين حينئذ لصالح أفكارهم الخبيثة والغريبة، إلا أنهم وهم يفعلون ذلك كانوا في نفس الوقت ودون وعى حقيقى يستنفرون وعي المصريين النائم، وكأنهم يوقظون قيما كانت متروكة حتى حين، فخرج المصريون جميعهم رافضين لما كان يتم العمل عليه من قبل تلك الجماعة و أعوانها.
في أعقاب ثورة 30 يونيو كان المسار المصري يعمل على فكرة تعزيز الوعي الشعبى، وصولا لفكرة الوعى القومي الصحيح، فخرج رئيس الجمهورية مشاركا للمواطنين في كل المعلومات و الأفكار و المشاريع القومية، حتى أنك تستطيع الجلوس مع أي مواطن في مصر سيعد لك عشرات المشاريع القومية الضخمة التي يتذكرها دون الرجوع للانترنت، و سيتفق المصريون جميعا أن مصر قد تغيرت، حتى وإن اختلفوا على فكرة الظروف الاقتصادية وتوابعها، وهى أزمة دولية ناتجة عن تحديات لم يكن مخططا لها مثل فيروس كورونا و الحرب الروسية الأوكرانية، ومع فكرة الوعى الشعبى والوعى القومي ومع كل تلك التحديات كان هناك وعي القيادة، وهو الوعى الذى يجب أن نفرد له حديثا خاصا في وقت لاحق.