كأنه طفل تائه يبحث عن أمه وسط زحام الوجوه، يبحث عن دفء حضنها بين أحضان الحاضرين، لا يستوعب الصدمة ولا يشعر بمن حوله، لا يصدق أنها ستفارقه للأبد، وأنه سيوارى جسدها الثرى ويعود لبيته دونها، ينسى وقاره المعتاد فينهار ويبكى فى مشهد فريد لم يعتده ولم يره الجمهور يؤديه فى كل المشاهد التى جسدها خلال مشواره الفنى الثرى الطويل.
لم يشاهد الجمهور الفنان الكبير خالد زكى خلال مشواره الفني كما رآه في جنازة زوجته الراحلة ، حيث اعتاد أن يراه في أغلب أدواره مجسداً الشخصية القوية الوقورة المتزنة والتي تتشابه إلى حد كبير مع شخصيته الحقيقية، فنان وقور يمثل الجيل الذهبى للدراما ، يشكل جزءً من وعى ووجدان الملايين الذين ارتبطوا بصورة أحمد هذا الشاب الوسيم الهادئ الذى أحبوه في مسلسل الشهد والدموع وتابعوا قصة حبه لابنة عمه ناهد التي أراد أن ينتقم من والدها بعد أن تسبب في وفاة والده والاستيلاء على أمواله، ورغم ما كانت تعانيه شخصية أحمد من أزمات نفسية ومعاناة وصراع بين حبه ورغبته في الانتقام استطاع خالد زكى ان يجسد هذه الشخصية باتزان وإبداع وقدرة فائقة على توصيل هذه المشاعر المتباينة للمشاهد.
خالد زكى الفنان الذى بدأ مشواره عام 1973 عندما شارك في فيلم مدرسة المراهقين مع فؤاد المهندس وشويكار بعد حصوله على بكالوريوس المعهد العالى للفنون المسرحية ، وبعدها انطلق في مسيرته الفنية وشارك في العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية والإذاعية، وكان شريكاً في صناعة العصر الذهبى للدراما والعديد من الأعمال الهامة خلال مشواره ومراحل عمره، حيث التي تعاون فيها كبار الكتاب والمخرجين والفنانين ،وتدرج من أدوار الشاب إلى أدوار الرجل الناضج ، وشارك في العديد من الأعمال الهامة ومنها الشهد والدموع، وبدارة وهوانم جاردن سيتى ، الطارق، الدوائر المغلقة ، ولعبة الأيام ، أنا شهيرة أنا الخائن ، من أطلق النار على هند علام ، صاحب السعادة ، قوت القلوب ،الاختيار، وغيرها، وفى السينما قدم العديد من الأعمال الهامة ومنها ، حبيبى أصغر منى ، طباخ الرئيس، وش إجرام، السفارة في العمارة، ملاكى اسكندرية، فتح عينيك، وغيرها.
استطاع خالد زكى أن يكتسب حب واحترام الجمهور وأن يقنعنا في كل ما قدم من أعمال وأدوار، حيث قدم أدوار رجل الأمن والمخابرات والرئيس ورجل الأعمال، والطبيب ، والشاب والأب، وأدوار الخير والشر ، كان يؤدى كل أدواره بهدوء وسلاسة دون مبالغة أو انفعال زائد ، أداء يشبه شخصيته المتزنة الراقية ، وفى الخلفية كان خالد زكى في حياته الشخصية أيضا يشبه روح شخصياته وأدائه ورقيه زوجاً وأباً.
كان الفنان الكبير متحفظاً على ما يتعلق بحياته الشخصية، لا يظهر كثيراً في البرامج والحوارات، يعيش حالة حب كبيرة مع زوجته التي ارتبط بها منذ 47 عاما، وعاش معها حياة هادئة سعيدة تشبه شخصيته، حباً استمر منذ كان الفنان الكبير شاباً صغيراً وسيماً يرى الكثير من مغريات الشهرة والمعجبات ولكنه كان زوجاً مخلصاً محباً راقياً، وكذلك كانت زوجته الراحلة ، عاشا معاً حياة بعيدة عن صخب الأضواء، عاشا حباً حقيقياً بعيداً عن شعارات الحب وصوره التي يطلقها بعض الفنانين والمشاهير الذين يقحمون الجمهور في حياتهم الشخصية، ويستخدمون علاقاتهم بأسرهم كجزء من الدعاية وركوب التريند كما نرى كثير من الحالات والزيجات والعلاقات على السوشيال ميديا، مثل هؤلاء الذين يبالغون في إظهار الحب لشركاء الحياة وفى النهاية نرى فضائح ومشادات وخلافات يندى لها الجبين وتقدم صورة غير راقية للعلاقة الأسرية.
عاش الفنان الكبير خالد زكى وزوجته حياة مستقرة سعيدة هادئة تشبه حياة الأسر العادية التي تعرف قدسية العلاقة الزوجية، والمودة والرحمة بين الزوجين، ويعرف فيها كل طرف حقوقه وواجباته دون أن ينتظر تلك الفتاوى الشاذة أو النصائح التي يطلقها مروجى الشعارات الزائفة التي تهدف لخراب البيوت والأسر، بالتأكيد مرت على خالد زكى وزوجته العديد من الأزمات والمشكلات كأى أسرة، لكنها كانت تزول وتتلاشى مع الاحترام المتبادل ورقى الأخلاق ورصيد المحبة والعشرة الطيبة الذى يحمله كل طرف للأخر، وبالطبع لو كان أي منهما تحدث عن هذه الأزمات والمشكلات لتغير الوضع وانهارت العلاقة المقدسة.
أصبح خالد زكى وزوجته مثل أي زوجين جمعتهما المحبة والعشرة الطيبة وجعلتهما ككيان واحد، يفهم كل منهما الأخر دون أن يتحدث، ويجد كل منهما في الآخر واحة يستريح فيها وتهون عليه عناء الحياة ومتاعبها وشقائها، لذلك كانت صدمة الفراق بحجم قوة العلاقة وبحجم الحياة التي كان يتشاركان فيها في كل شيئ دون أن يتخيل أي منهما أن رفيقه قد يفارق يوماً ويتركه ليكمل الرحلة وحده، ولهذا كانت الصدمة كزلزال قوى أفقد الفنان الكبير توازنه فلم يتمالك دموعه، ولم يصدق أنه فقد جزء من روحه وحياته، وبالطبع في هذه اللحظة التي رأى فيها نصف روحه يوارى الثرى عاد كطفل تائه تتزاحم في رأسه الكثير من الأفكار والمشاعر والأسئلة، حول ما مضى وما هو أت، فارتسمت على وجهه كل معانى الوفاء والحب والحيرة والفقد واليتم، كان الله في عون الفنان الكبير خالد زكى وكل من فقد جزء من روحه وأودعه الثرى.