كنت أتساءل دائما كيف يكون للقاهرة مهرجانها السينمائى ولا يكون لها مهرجان درامي، فالقاهرة منذ انطلقت منها العبارة الأثيرة "هنا القاهرة" عبر أثير الإذاعة المصرية عام 1934 وهى تتزين بحليها الدرامية سواء كانت الإذاعية فى البداية ثم التلفزيونية لاحقا.
يُعتبر مسلسل "عائلة مرزوق أفندي" أقدم مسلسل فى التاريخ العربى، وقد بدأ بثُه عام 1959 على الإذاعة المصرية عبر برنامج “إلى ربات البيوت” الذى كان عبارة عن حلقات متصلة ذات موضوعات منفصلة تهتم بالشأن العام المصرى والعربى مواكبا التغييرات الاجتماعية، إذ كانت المدة الزمنية للحلقة الواحدة 5 دقائق عبر شخصيات تنتمى لأسرة الموظف المكافح “مرزوق” تتناول مشاكل تُعانى منها الأسر المصرية والعربية مثل الهجرة والإدمان والبطالة والزواج وغيرها. وقد اشترك فى هذا المسلسل أكثر من 200 فنان مصرى وعربى على مدار بثه الذى استمر لـ60 عاماً، كان أبرزهم فؤاد المهندس، وفريد شوقى وتوفيق الدقن وغيرهم.
وفى عام 1962 أى بعد عامين من بث الإرسال التلفزيونى من ماسبيرو قص المؤلف فيصل ندا شريط افتتاح أول دراما تلفزيونية عن رواية هارب من الأيام للأديب ثروت أباظة من بطولة عبد الله غيث، وتوفيق الدقن، وحسين رياض، ومديحة سالم. ومن ساعتها لم يجف نهر الدراما التلفزيونية الذى ينبع ويجرى من القاهرة حتى يصب فى كل الدول الناطقة بالعربية، وإلى تلك اللحظة لا زال نيل الدراما يروى لنا القصص والحكايات التى تروى عطش الظامئين للحدوتة المسلية التى تمتلئ بالعبرة والعظة والابتسامة.
لا أستطيع أن أنسى فى طفولتى الشوارع وهى خالية عن بكرة أبيها فى انتظار مسلسلات ليالى الحلمية وذئاب الجبل ورأفت الهجان وغيرها، لذلك من وجهة نظرى مهرجان القاهرة للدراما الذى اُستحدث هذا العام هو تكريم للسنوات الطويلة والتاريخ الدرامى المشرف للقاهرة واستديوهاتها ولفنانيها وكتابها ومخرجيها وأسطوات مهنة الدراما، لذلك لم يكن غريبا أن يكون التكريم فى المهرجان لكل عناصر اللعبة الدرامية، ولكل من ساهم فى صنع دراما عظيمة ألزمتنا الجلوس فى مقاعدنا مشدودين ومشدوهين.
شكرا لكل من ساهم فى إخراج هذا المهرجان للنور بهذا الكل الكبير اللائق بهذا التاريخ الذى تحمله شاشات التلفزيونات العربية من خلاصة جهد وإبداع الدراما المصرية.. شكر للشركة الأم: الشركة المتحدة الراعية الرؤوم وللشركة المنظمة والوكيل الإعلانى شركة PODولنقابة المهن التمثيلية ممثلة فى نقيبها الدؤوب دكتور أشرف زكى ولجنة التحكيم برئاسة الفنان الكبير دكتور يحيى الفخرانى.
يبقى ملحوظات قليلة لا تفسد بهجة العُرس، كنت أتمنى لو شاركت كل دراما العام 2022 وليس دراما رمضان فقط حتى تكون الفرص عادلة، فهناك أعمال هامة وتخدم قضايا الوعى المهتم بها شخصيا فخامة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى منها مثلا مسلسل نقل عام بطولة الفنان الكبير محمود حميدة والذى عرض بداية العام وناقض قضية تلقى كبير الاعتمام من أجهزة الدولة وهى قضية الانفجار السكانى، وأشاد الجميع بهذه الدراما التوعوية التى قدمت فى ثوب قشيب، لكنها لم تنل هب وغيرها فرصتها فى المشاركة فى مهرجان القاهرة للدراما لأنها كانت خارج الموسم الرمضاني!
مسألة أخرى، لماذا لم يتم الاعتداد بالدراما الإذاعية وتقديم جوائز خاصة بها فالدراما الاذاعية لا تقل أهمية عن الدراما التلفزيونية.
يحسب فى النهاية لصناع هذا المهرجان الأنيق -مهرجان القاهرة للدراما- أنه لفت نظرنا لأناقة الدراما المصرية ولصانعيها أكثر من لفت الانتباه لفساتين الفنانات وأحدث صيحاتها كما يحدث ببعض المهرجانات الأخرى، فقد كان الصياح والتصفيق لكل من ساهم فى العمل الدرامى من أصغر عامل حتى المخرج.
والأناقة الدرامية التى رأيناها فى مهرجان القاهرة للدراما أهم وأعظم من أناقة الفساتين.