"الفشل صعب، لكن الأسوأ ألا تحاول النجاح أبداً، ثيودور روزفلت، الرئيس الأمريكي في الفترة من 1901 حتى 1909، وانطلاقاً من هذه المقولة أتصور أن من حق أوكرانيا أن تحاول النجاح في مواجهاتها مع روسيا، التي بدأت قبل 7 أشهر، ومازالت تنتظر أصعب فصولها، وتسعي لحشد قواتها ومواردها لخدمة هذه الحرب، دون أن تفكر في احتمالات الفشل أو تنظر بحذر إلى السيناريو الأخطر المتمثل في دخول الأسلحة النووية التكتيكية في مسار هذه الحرب.
هل تحتاج روسيا التي تمتلك ثاني أكبر جيش في العالم إلى أسلحة نووية تكتيكية أو حتى استراتيجية لحسم معاركها في أوكرانيا؟ الإجابة بالطبع لا، خاصة أن ترسانة الأسلحة التقليدية قادرة على حسم مصير الحرب لصالح موسكو، دون استخدام السلاح النووي أو حتى التلويح به، لا سيما أن روسيا تمتلك منظومة صواريخ بالستية "عابرة للقارات" تعتبر الأقوى على مستوى العالم، أهمها وأحدثها على الإطلاق صاروخ "سارمات"، الاستراتيجي، القادر على عبور الكرة الأرضية بأكملها والوصول إلى قطبيها شمالاً وجنوباً بمدى 18 ألف كيلو متر.
صاروخ سارمات الروسي، الذى جاءت تسميته نسبة للقبائل السارماتية الإيرانية، التي كانت تسكن جنوب روسيا، أنهت موسكو إجراء أول تجارب إطلاقه بنجاح في إبريل الماضي، وقالت عنه وزارة الدفاع الروسية، إنه لا مثيل له على لسان سيرجي كاراكاييف، قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية، وذلك وفق تصريحات لوكالة نوفوستي الروسية، ويصل وزن الصاروخ 220 طن تقريباً، وطولة 22 متراً، وقادر على جعل روسيا مصدر رعب لكل جيرانها أو حتى أولئك الذين يفصلهم عنها حدود وبحار ومحيطات وآلاف الكيلومترات.
يمكن أن نستخلص من السطور السابقة أن موسكو تمتلك قدرات عسكرية كبيرة من الصواريخ الاستراتيجية التقليدية، التي لا تقل خطورة على الأسلحة النووية، من حيث التدمير والإبادة، بل قد تكون أخطر وأشد فتكاً، خاصة أنها لا تجد صخباً دولياً أو إدانات واسعة حال استخدامها، كما هو الحال في الأسلحة النووية، لذلك لا أرى أن موسكو تفكر بالطريقة الساذجة، التي يسوقها البعض في أنها ستجعل الأسلحة النووية ضمن خياراتها في الحرب مع أوكرانيا.
النقطة الأكثر خطورة في مصير الصراع الدائر في شرق أوروبا هي الدعم الأمريكي الكبير لأوكرانيا من خلال راجمات الصواريخ المتطورة، والأسلحة الهجومية، بالإضافة إلى المساندة الاستخباراتية، والدعم المعلوماتي غير المحدود، والمراقبة الجوية والبرية، التي تمنح كييف ميزة نسبية لكشف التحركات العسكرية الروسية، سواء داخل الأراضي الأوكرانية أو خارجها، وهو ما يجعل روسيا تدخل مرحلة جديدة من الحرب، تستخدم فيها أسلحة أشد خطورة، وأكثر فتكاً، أو كما نطلق عليها "ليفل الوحش"، الذى يحول الحرب من مجرد ضربات محدودة لمناطق بعينها إلى حرب شاملة، ونيران مفتوحة من الجحيم، لا تفرق بين عسكريين ومدنيين.
أتصور أن الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا يجب أن يتركز مستقبلاً على الوحدات الخفيفة، والأسلحة الدفاعية، التي تكفل حماية المناطق الخاضعة لسيطرة كييف، دون أن تشمل أسلحة هجومية متطورة، فهذا من شأنه إطالة أمد الحرب وتعقيد مسارها، وزيادة ضحاياها، وتفاقم الأزمات المرتبطة بها عالمياً، وارتفاع تكلفة إعادة إعمار المناطق المنكوبة، لذلك يجب أن تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى خطورة المشهد، وتعرف جيداً أن الدعم غير المدروس قد يؤدى إلي نتائج عكسية، خاصة في الوقت الذى بدأت فيه الشتاء تطرق الأبواب، وتستعد أوروبا لأسوأ أيامها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.