الأول من أكتوبر عام 1970 هو يوم لا ينسى في تاريخ مصر والعرب والعالم.. لن ينسى العالم جنازة الزعيم الراحل الحاضر الغائب جمال عبد الناصر، والتي سطر المؤرخون بأنها الأكبر من نوعها في القرن العشرين، فلم تكن جنازة عادية، خيم الحزن على كل بيت مصري وعربي، وبكت قلوب ملايين المصريين والعرب، ارتفع النحيب بعد إعلان وفاة الزعيم مساء 28 سبتمبر.
يوم الجنازة تدفق ملايين المصريين في الشوارع بعض التقديرات تشير الى أن حوالي 7 ملايين شخص اندفعوا إلى الشوارع وفي الجنازات يوم جنازة عبد الناصر- عدد سكان مصر وقتها 35 مليون نسمة- كانت الأرقام خير دليل على حب الزعيم والإخلاص له والتوافق الصامت على أنه حبيب الملايين وناصر الفقراء وزعيم الأمة العربية.
حضر جميع رؤساء الوطن العربي، وبكوا بالدموع على رحيل ناصر، المعارض له والمتفق معه بكى بالدموع. وفي ذات اللحظة كانت الملايين من العرب تنظم جنازات شعبية في شوارع العواصم العربية من المحيط الى الخليج .وعبر القمر الصناعي لأول مرة، تذاع جنازة جمال عبد الناصر للعالم أجمع.
امتلأت الشوارع لتوديع الزعيم جمال عبد الناصر. وأعلن الشعب الحداد وأغلقت معظم المتاجر أبوابها للمشاركة فى الجنازة المهيبة.
مشاهد كثيرة مازالت عالقة بالذاكرة الجمعية من مشاهد الجنازة المهيبة ..تسلق الناس الأشجار لمحاولة الاطلاع على نعش الرئيس الراحل . حرص جميع فئات الشعب من مختلف المحافظات على اللحاق بالمشاركة فى الجنازة، حتى أضطر الكثير من المواطنين الذين لم يلحقوا بركوب القطار، بالتسلق عليه، وراح الكثير من الأشخاص برفع صورة الرئيس الراحل.
المشهد الأكثر دهشة في الجنازة هو ذلك النشيد الجمعي الذي انطلق من قلب الجنازة ليردده الملايين في وقت واحد وانتقل من شوارع مصر الى شوارع العواصم والمدن العربية .... الملايين رددت بشكل مفاجئ مرثية أو نشيد الوداع :"الوداع ياجمال ياحبيب الملايين ..الوداع"، الدموع تملأ العيون.. والحزن يغلف القلوب والكل يردد:
الوداع يا جمال يا حبيب الملايين....الوداع
ثورتك ثورة كفاح عشتها طول السنين...الوداع
أنت عايش فى قلوبنا يا جمال الملايين....الوداع
انت نوارة بلدنا واحنا لوعنا الحنين....الوداع
انت ريحانة ذكية لاجل كل الشقيانين...الوداع
الوداع يا جمال يا حبيب الملايين....الوداع
وسط الزحام الرهيب لم يفكر أو يلتفت أحد الى من كتب نشيد الوداع .. فقد انطلقت الكلمات من الحناجر مدوية تودع الجسد المسجى في النعش في نظرة الوداع الأخيرة
كان صاحب النشيد الذي مازال هو الأشهر حتى الأن من بين مئات القصائد التي كتبت في وداع عبد الناصر – حوالي 138 قصيدة لأشهر الشعراء المصريين والعرب- هو الشاعر والمؤلف الدكتور عبد الرحمن عرنوس والذي نشر النشيد كاملا يوم 10 أكتوبر عام 1970 في مجلة الإذاعة والتليفزيون
الدكتور عرنوس من مواليد الإسكندرية عام 1934 وهو مؤلف تلقائي ومخرج مسرحي. انتج خلال 50 عاما ما يزيد على 200 أغنية وطنية وعشرات التجارب المسرحية منها «مسرح المقهى» و«مسرح العربة» و«مسرح الشارع»
تخرج الشاعر عبد الرحمن عرنوس في أكاديمية الفنون بالقاهرة عام 1965. وعمل في الأكاديمية مدرسا من1965 إلى 1983، حيث بدأ عمله في دائرة الفنون الجميلة بجامعة اليرموك بالمملكة الأردنية الهاشمية وأنشأ فيها مختبر اليرموك المسرحي
وأسس فرقة شباب البحر الجامعية التي طافت بعروضها معظم المدن المصرية وقدمت عروضا صامتة عن التراث العربي. و هو أول من قدم مسرح السيارة في مصر عام 1973، واستحدث مسرح الصيادين على شواطئ بحيرة المنزلة بمدينة المطرية بالدقهلية، وقدم عروضا في حديقة دار الأدباء، وقدم أيضا مسرح الفنان وسط جمهور مقهى استرا بالقاهرة. وهو أول من قدم المونودراما في مصر، واستحدث ما يسمى مسرح المناقشة.
ألف مجموعة من الأعمال المسرحية منها، رحمة، طيران فوق عش الوقواق المرح، شاطئ الزيتون.
اشتهر عرنوس بتقديم الأدوار الصعبة على المسرح والتلفزيون، فقد مثل دور الصعلوك في مسرحية "زيارة السيدة العجوز" ودور الأخرس في المسلسل الشهير "أغراب" ودور الميكانيكي في "الناس والفلوس" ودور وحشي قاتل حمزة في مسلسل "آية وقصة" ودور الجنرال كليبير في مسرحية "حياتي والزمن " وتوفي في 30 نوفمبر 2009.