المسلسلات التى يشاهدها أغلب جمهور التليفزيون ينتهى تأثيرها المباشر بمجرد انتهاء المسلسل!! لذلك تعرف بفقاعات الصابون، لكن هناك آثارا تراكمية لبعض المسلسلات أو المشاهد واللغة المستخدمة، هذه التأثيرات تتسرب إلى اللاوعى، وتؤثر بقوة على القيم واتجاهات السلوك فى المجتمع، لاسيما أن كثير منها يتكرر فى أكثر من مسلسل.. ويعاد إنتاجه بشكل سنوى فى رمضان وفى صيغ مختلفة، لأن صناعة التليفزيون تميل إلى تكرار الصيغ الناجحة تجاريا وجماهيريا، وتعادى التجديد والابتكار لأن فيه قدرا من المغامرة، التى قد تؤدى إلى الخسارة. وتتفق دراسات وبحوث الإعلام على أن الصور والرموز السوسيولوجية والسميولوجية هى الأكثر قدرة على إحداث الآثار التراكمية غير المباشرة فى الجمهور، لذلك اقترحت على وزارة الثقافة إنشاء أرشيف للإعلانات والمسلسلات التى يشاهدها المصريون عاما بعد عام، لأن الحياة الاجتماعية ومنظومة القيم وأنماط السلوك للمصريين ولغتهم المستخدمة تسجلها إعلانات ومسلسلات التليفزيون، وأحيانا تلعب دورا كبيرا فى إرساء معالمها، يعنى باختصار الإعلانات والمسلسلات تنشئ أو تعكس قيم ولغة المصريين وتسجل التحولات والانقطاعات فى حياة المصريين، وسلوكهم، ويكفى عزيزى القارئ أن تشاهد حلقات مسلسل مصرى ينتمى للسبعينيات، ومسلسل آخر ينتمى للتسعينيات لتكتشف الفروق الهائلة، نفس الاختلافات ستجدها فى الإعلانات والأفلام، لكن المفارقة أن الأفلام أو المسلسلات الشهيرة تبقى بينما تختفى الإعلانات والمسلسلات ولا يهتم أحد بحفظها ودراستها.
ولكى أوضح أهمية التأثيرات التراكمية غير المباشرة للبث أو القصف التليفزيونى للعقول والقلوب فى رمضان، سأتوقف عند عدد من الآثار السميولوجية والسوسيولوجية لأهم ما قدم من مسلسسلات وإعلانات فى رمضان.
أولا: معظم مسلسلات رمضان استفزازية من زاوية طبقية، فأحداثها تدور فى قصور أو شقق فاخرة، ومعظم الشخصيات ثرية.. لا تواجه مشاكل الغلاء وتدبير مصروفات الشهر، ومدارس الأولاد والدروس الخصوصية، وأقساط السيارة وغيرها من تفاصيل المعاناة اليومية التى تعيشها الأسر المصرية فى الريف والمدن.
ثانيا: أغلب مسلسلات رمضان بعيدة عن الواقع وبالتالى فهى بعيدة عن السياسة ومناقشة الشأن العام، وربما تهرب منه بمناقشة قضايا تنتمى للماضى أو الفانتازيا كما فى مسلسل جراند أوتيل وأحلام القبة وونوس.
ثالثا: وقعت مسلسلات رمضان فى تطرف اجتماعى وأخلاقى فمن أقصى الثراء فى معظم المسلسلات هناك تطرف فى مسلسل الأسطورة لمحمد رمضان الذى يدور فى مناطق عشوائية يسيطر عليها منطق القوة والبلطجة المعاصرة وعصابات الشوارع، لكن تظل السيطرة لأحياء الأثرياء والفلل والقصور فى الكمباوندات، حتى إن أحد المسلسلات يدور فى كمبوند.
رابعا: تنتشر فى مسلسلات رمضان الجرائم بأنواعها وكل أشكال الفساد والتحايل على القانون علاوة على الأعمال غير الأخلاقية، فى المقابل هناك وجود رمزى محدود للقانون ورجال الشرطة أو الضمير، بكلمات بسيطة الدولة غائبة والضمير فى رمضان غائب أيضا، ولا يظهران إلا فى الحلقة الأخيرة من المسلسل وبعد أن يكون المشاهد، خاصة الصغار والشباب، قد حصلا على جرعة هائلة من الفساد والحياة الرغدة لتجار المخدرات والفاسدين والمجرمين.
خامسا: يسير فى نفس خط العمل ضد الدولة والقانون والضمير الإساءة لرجال الشرطة، حيث تصور المسلسلات عديدا من ضباط وأفراد الشرطة فى صور سلبية، فكلهم إما شريك فى الجريمة أو مرتش أو متواطئ أو «بتاع نسوان»، وتظهر على استحياء صور إيجابية لضابط الشرطة، وهو تحيز غير مفهوم وغير مبرر لدى منتجى مسلسلات رمضان، صحيح هناك فى الشرطة، مثل أى مهنة، قلة صغيرة فاسدة، لكن المبالغة فى الصور والنماذج السلبية غير واقعى ومرفوض شكلا وموضوعا.
سادسا: سيطر الجنون والأمراض النفسية على مسلسلات رمضان، وهى مشاكل حقيقية يعانى منها بعض أفراد المجتمع لكن المسلسلات ضخمت منها وبالغت فيها، وأضافت إليها جرائم قتل واغتصاب.. وكمية هائلة من الغم واليأس، بالرغم من أن المشاهدين يبحثون عن البسمة، وينتظرون ما يخفف عنهم مشاكلهم.
سابعا: تقلصت المسلسلات الدينية حيث ظهر عدد محدود منها، مما يشكل تحولا ذا دلالات مهمة تتطلب البحث والدراسة.