طوال مشاهدتى لفيلم blonde لم أكن مرتاحًا لفارق الشبه الكبير بين الممثلة جيسيكا شاستاين والفنانة الراحلة مارلين مونرو، كأنها مارلين أخرى غير التى أعرفها من صورها الساحرة التى تملأ الدنيا كإحدى الصور المعيارية للجمال والفتنة اللانهائية.
مارلين التى قدمتها الكاتبة الأمريكية كارول جويس أوتس والمخرج أندرو دومينيك غير مارلين التى نعرفها فيما أظن، وأحسب أن هذا السبب بالتحديد هو الذى باعد كثيرًا بين الوجهين، فوجه مونرو الذى صعد فى سماء الأربعينيات والخمسينيات فاتن متراخٍ فى كسل ناعم مطمئن حينما يبتسم وحينما يغوى وحين يعبر عن أكثر انفعالاته الشبقية إثارة، فهو دائمًا محتفظًا بهدوئه وسكونه الحميمى، بينما الوجه الآخر الذى قدمه blonde وجه منفعل يسكن التوتر ملامحه ويحدد تعبيراته القنوط وينحت تفاصيله الجنون، إنه جميل فى محصلته لكنه مروع.
سبب آخر فى تقديرى قلل من قيمة الفيلم الجمالية، وهو أن الفيلم تعامل مع السيرة على طريقة المحطات، وفى اعتماده لذلك الأسلوب كان يقفز فى كثير من الأحيان بين الحقب الزمنية دون أن يقدم تفسيرًا مقنعًا للمتلقى لماذا اختفى شخص ما من حياة مارلين؟ أو كيف دخل حياتها من الأساس؟ كما لم يكن معنيًا من قريب أو من بعيد بتقديم أى خلفية درامية لأى شخصية تظهر فى محيط مونرو، وذلك هو السبب الرئيسى -فى تقديرى- الذى أعجز العمل على أن يقدم عالما متمسكا عن مارلين مونرو أو حتى سردية جيدة.
لذلك تفهمت مواقف المشاهدين والنقاد الذين لم يعجبهم الفيلم وتركوه عند منتصفه، لكنى فى المقابل واصلت المتابعة إعجابًا بشجاعة الكاتبة والمخرج اللذين لم يخافا من تقديم هوليوود فى أكثر صورها وضاعة وخسة، إذ قدما عالما تجاريا مليئا بالابتذال والاستغلال والاعتداءات الجنسية، ففى أحد أفضل مشاهد الفيلم، أدت مارلين مونرو تجربة أداء لشخصية نيل، فى فيلم (دونت باذر تو نوك)، وقد كانت نيل فيما يبدو مريضة أوهام، غير أن مارلين قد تماهت فى الأداء بصورة لاشعورية مع شخصية أخرى فيما بدا، وحينما انتهت تجربة الأداء سأل المخرج السينارست، بعد انصرافها عن تقييمه للفتاة، فقال إنها أقرب لمشاهدة مريضة عقلية لا ممثلة، فرد عليه إنها لا تجيد تقنيات التمثيل، وعندما احتاجا إلى قرار نهائى حيال الاختيار سألا الرئيس الذى قام حينها متوجها إلى بوابة الأستوديو لمشاهدة مارلين وهى تغادر، فرد على سؤالهما وهو يشاهدها من ظهرها تتباعد قائلا: "رباه انظروا إلى مؤخرة الفتاة".. وانتهى المشهد عند مكان عينيه، ليشير لك كيف حُسم الدور لصالح الشقراء.