ربما يبقى الاحتفال بالذكرى الـ49، لحرب أكتوبر المجيدة، متزامنا مع العديد من التحديات، التى تحمل فى طياتها حالة من "الثقة في الانتصار"، رغم الحالة الدولية التي تثير مخاوف الكثيرين هنا أو هناك، جراء الأزمات المتلاحقة، بدءً من الأزمة الأوكرانية، ومرورا بتداعيات ظاهرة التغيرات المناخية، وحتى أثار كورونا، التي مازال العالم لم يتعافى منها حتى الآن، ناهيك عن مرور العالم بحالة "مخاض" جراء صعود قوى دولية جديدة، تسعى لمزاحمة واشنطن على عرش القيادة الدولية، وبالتالي الانطلاق نحو حقبة جديدة، بعيدة عن الهيمنة الأحادية التي سيطرت على العالم منذ ثلاثة عقود من الزمان، وهو ما يحمل تداعيات أخرى، تؤثر بشكل مباشر على حياة الشعوب في مختلف مناطق العالم.
ولعل حالة "الثقة في الانتصار" استلهمها المصريون، من العديد من الملاحم على مدار التاريخ، بينما تبقى ذكرى أكتوبر، الأقرب إلى القلوب والعقول، بسبب "استثنائية" الانتصار الذي تحقق، حيث لم يقتصر نطاقه، على معجزة العبور، في 6 ساعات، واقتحام "خط بارليف" المنيع، وتقويض أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، وإنما امتدت، فى حالتها "المعجزية"، إلى تغيير مفهوم "الحرب" من مجرد أداة للسيطرة والنفوذ، والاستيلاء على مقدرات الدول، لتصبح "طريقا نحو السلام"، حيث كان الطرف المنتصر في المعركة، هو من بادر بالسلام، والذي تحول هو الأخر، إلى ساحة جديدة من المعركة، عبر جولات من التفاوض الدبلوماسي، ثم القضائي، لاستعادة كل شبر من أرض مصر، وأخرها طابا، التي عادت إلى الأراضى المصرية، عبر محكمة العدل الدولية في مارس 1989.
وهنا تصبح "ملحمة أكتوبر" ممتدة، وتضافرت فيها جهود مؤسسات الدولة، بدءً من القوات المسلحة، وحتى الدبلوماسية، وخبراء القانون، وحتى الشعب المصري، الذي ساهم بدور كبير، كان من خلاله الداعم الأكبر لدولته، لاستعادة أراضيها، والحفاظ على بقائها قوية، ومؤثرة، في محيطيها الدولي والإقليمي، وهو ما يقدم نموذجا للانسجام، ربما غاب بعد ذلك لسنوات، أثمرت في نهايتها، حالة من "الفوضى"، خلال العقد الماضي، قبل ميلاد "الجمهورية الجديدة"، والتي وضعت على عاتقها أولوية خلق حالة من التناغم، بين المؤسسات، من ناحية، وبينها وبين الشارع من ناحية أخرى، باعتبارها الطريق الوحيد لتحقيق "عبور" جديد، نحو التنمية المستدامة.
فلو نظرنا إلى سياسات الدولة المصرية في السنوات الماضية، نجد أن ثمة محاولات مثمرة، لإدماج كافة الفئات المجتمعية في العملية التنموية، بدءً من الشباب والمرأة وذوى الهمم، للاستفادة بكافة الطاقات المتاحة، وتحقيق الأهداف المرجوة، بينما كان عمل المؤسسات، سواء الرسمية أو الدينية أو المجتمع المدني، يدور في فلك تلك الأهداف نفسها، لتساهم بصورة كبيرة في تحقيق الحشد المجتمعي، واستعادة تلك الروح، التي اعتمدت "وحدة الهدف"، خلال "ملحمة أكتوبر".
الحالة التي خلقتها الدولة المصرية، تتجلى بوضوح في العديد من المشاهد الهامة، ربما أبرزها "الحوار الوطني"، والذي تجاوز "التقليدية" السياسية، عبر إدماج العديد من الفئات، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية، منها الشباب والمرأة ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك لمناقشة كافة القضايا المجتمعية، لتتحول النتائج إلى تحقيق مصلحة المواطن.
الأمر نفسه ينطبق على الاستعدادات الجارية لاستضافة قمة المناخ، والمقرر انعقادها في شرم الشيخ، والتي لا تقتصر، رغم الطابع الرسمي للحدث، على مؤسسات الدولة، وإنما تمتد إلى أدوار بارزة ومبادرات، تقدمت بها المؤسسات الدينية (الأزهر الشريف والكنيسة)، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، لنشر الوعي بين المواطنين بأهمية القضية، وهو ما يساهم في حشد المجتمع وراء الدولة، في ظل ارتباط القضية المناخية بحمايتهم وحماية أبنائهم من بطش الطبيعة، والذى يحمل العديد من التداعيات الكارثية حال فشل المجتمع الدولي في احتوائها، من جانب، بالإضافة إلى الرهان على المصريين، باعتبارهم "النواة" التي تعد بمثابة "نقطة الانطلاق" نحو تحقيق حشد دولي كبير وراء الأهداف المناخية، التي تتبناها الدولة، خلال رئاستها للقمة المرتقبة في الشهر المقبل.
وهنا يكمن أحد أهم أسرار "ملحمة أكتوبر"، في كونها ليست مجرد حدث تاريخي وانتهى، وإنما تبقى متجددة، في ارتباطها بفكرة العبور "نحو المستقبل"، والانتصار "على التحديات"، حتى وإن كانت مستحيلة أو "لا تقهر"، عبر الانسجام "المؤسسي والشعبي" وراء هدف بعينه، من أجل "السلام" المجتمعي والاستقرار، والتي تتحقق بـ"التنمية" في صورتها المستدامة، وبالتالي تقدم "الجمهورية الجديدة" نموذجا جديدا من "المعارك" العادلة للعالم، التي لا تحمل أهدافا "انتهازية"، وإنما تسعى لتحقيق المصلحة العامة لشعوب كافة الدول، سواء في منطقتها أو العالم