فتاة أحبها.. يسير يوميا خلفها كظلها، الفتاة تعمل بشباك تذاكر إحدى دور السينما، استوقفته ذات يوم، وبدلا من أن تطلب منه أن يكف عن السير وراءها كعاشق طلبت أن يصطحبها إلى عملها كحماية لها في مقابل تذكرة مجانية، بعد فترة أحبته الفتاة كما أحبها، غير إنه انصرف عن حبها بأن وقع في غرام السينما، ومن يومها أخلص أنور وجدي للسينما ولم يكتف من حبها بالتمثيل بل عشقها كمؤلف ومخرج ومنتج بعد أن أسس شركة إنتاج المتحدة، قدم وجدي للسينما حياته كاملة بعد أن وهبها أفلام عظيمة تحمل اسمه للأبد حتى وإن لم ينجب سوى أفلامه السينمائية، فمن ينسى
غزل البنات وليلى بنت الأغنياء وريا وسكينة وأمير الانتقام ودهب والوحش وغرام وانتقام
أنور وجدي الذي تصادف هذه الأيام ذكرى ميلاده فهو من مواليد برج الميزان، ومواليد هذا البرج حالمين بالضرورة، وقد حلم فتى الشاشة الأول قبل أن يكون فتاها الأول إنه سيكون كذلك، لكن كسمات هذا البرج كان واقعيا أيضا فما يصح أن نطلق عليه الواقعية الحالمة، فبذل الجهد والعرق لهذه الشاشة الكبيرة ليحصل على قلبها الكبير فقدم نفسه كعامل اكسسوار في السينما ثم ممثلا صامتا بها لا يستطيع البوح بحبه لها، وإن كان العاشق تفضحه عيونه، فلمح فيه ذلك الفنان المهيب يوسف وهبي فقدمه بها لأول مرة وأعطاه فرصة للتمثيل وأن يقف أمامه على خشبة المسرح وشاشة السينما بعد أن كان سكرتيرا له، وهذا ما جعله يقف فيما بعد أمام أهم مطربات ونجمات مصر والعالم العربي في التمثيل الغناء أم كلثوم وليلى مراد واسمهان وصباح، ولا أظن في تاريخ الفن من استطاع أن تقف أمامه كل نجمات الغناء في عصره كما فعل أنور وجدي.
المدهش أن أنور وجدي صنع كل هذا التاريخ في سنوات قليلة فقد توفي وهو يبلغ الخمسين بالكاد، وكأنه كان يعرف أن أيامه السينمائية ليست كثيرة فكان يسارع وتيرة العمل بشكل يشبه الفناء فيه، فقد كتب وأنتج وأخرج عشرات أفلام ومثل فيما يقرب من سبعين فيلما، وقدم بجسارة الطفلة المعجزة فيروز في بطولات لم تتكرر في تاريخ السينما المصرية فقد منحها بطولة 3 أفلام دفعة واحدة وهي طفلة لم يتجاوز عمرها أصابع اليد الواحدة.، لذلك كان أنور وجدي مغامرا بأمواله، ومقامرا بصحته التي لم يهتم بها وتعامل مع مرضه الوراثي بالكلى باستهتار شديد في البداية مقابل تعامل بمنتهى الجدية مع معشوقته السينما فقد قدم فيما يقارب من عشر سنوات فقط 6 أفلام كاملة اعتبرت فيما بعد من أهم مائة فيلم في مئوية السينما المصرية التى جرى استفتاء لاختيار أعظم مائة فيلم مصري بتاريخها عام 1996
الأيام الأخيرة في حياة أنور وجدي لم تكن سهلة، فقد صحته وفقد بصره وفقد حياته غير أنه لم يفقد شغفه للسينما ولا بصيرته المستقبلية فقد وجدوا بعد وفاته 20 قصة سينمائية كان قد اشتراها ليقدمها للسينما على مدار خمس سنوات بواقع أربعة أفلام في العام، كان يضع خطة خمسية سينمائية لخمس سنوات قُدام، لندرك كما كان أنور وجدي الفنان الشامل صاحب رؤية وبصيرة سابق لعصره.