هذا سؤال يبحث عنه الملايين، دون إجابات واضحة، سواء من العاملين في هذا المجال أو الخبراء المتخصصين في عالم المعادن النفيسة، لذلك ما أكتبه في هذه السطور ليس أكثر من دعوة للفهم الصحيح، ومحاولة للتعرف على أبعاد الموقف، بصورة شاملة، سعياً للمصلحة العامة، خاصة أن الذهب على رأس المعادن النفيسة، وبات أحد أهم الأدوات الاستثمارية، التي يتم استخدامها من قبل المصريين في أوقات الأزمات.
السعر المتداول للذهب الآن حتى كتابة هذا المقال، صباح اليوم الأربعاء، هو 1676 دولاراً للأونصة، وهى تعادل تقريباً 31.1 جرام، من العيار 24، لذلك إذا أردنا أن نعرف سعر الذهب في مصر الآن سيكون 1676 دولاراً ، مضروباً في 19.66، سعر الجنيه في البنك المركزي المصري الآن، ثم قسمة الناتج على الأونصة " 31.1 جرام"، ليصبح الناتج النهائي 1059 جنيهاً للجرام عيار 24، بينما السعر الذى يتم الإعلان عنه من خلال شعبة الذهب 1262، أي أن هناك فارق في السعر يعادل 203 جنيهات في كل جرام.
ما السبب في الفروق السعرية للذهب، مع أنه معدن عالمي التسعير، ويتم تقويمه بالدولار الأمريكي، الإجابة هى ببساطة أن تجار الذهب يضعون حدود سعرية للجنيه أكبر من المتداولة في البنك المركزي، ويتم البيع والتداول بأسعار للدولار في حدود 23 جنيهاً، وهذا أمر جد خطير، باعتباره يدخل ضمن التلاعب في العملة الأجنبية، وتشجيع علي الدولرة، فالذهب وإن كان معدن، لكنه في النهاية عبارة عن "دولار"، لذلك حركات البيع والتدول فيه تؤثر بصورة مباشرة في سعر الدولار وحجم الطلب عليه ومستويات التداول له في السوق.
البعض يقول أن تجار الذهب يشترون خامات بالدولار ، وصناعة المشغولات، وبعض أنواعها يدخل الدولار كمكون أساسي فيها، لكنهم يبيعون بالجنيه وليس الدولار ، وإن كان ما يفعلونه شرعي من الناحية النظرية، لأنهم يجلبون العملة الصعبة للشراء بها، لكنه غير مقبول عملياً وقانونياً في الوقت الراهن، الذى يعاني فيه العالم أزمة اقتصادية حادة، وحروب وصراعات سياسية لم تتضح معالمها حتى الآن، ووسط الإقبال الكبير على شراء الذهب، يجب تحجيم الموضوع بصورة تضمن استقرار السوق وعدم التلاعب، لتصبح عمليات البيع والشراء تحت رقابة الدولة بالصورة التي تحافظ على العملة الأجنبية ولا تفتح باباً خلفياً للتلاعب في قيمتها، خاصة أن الدولة تبذل أقصى الجهود لتوفير السلع الأساسية بأكبر مخزون لأطول فترة ممكنة، لذلك غير مقبول أن الوقت الذي تؤمن فيه الحكومة احتياجات الناس من الخبز والزيت والسكر، والبعض الأخر يضارب على العملة ويخلق أزمات في السوق.
المستهلك يجب أن يعرف عند اقتناء الذهب أن السعر الذي يشتري به غير حقيقي، على الأقل في الوقت الراهن، ويعرف أيضاً أن هناك نحو 200 جنيه زيادة عن السعر الحقيقي في الجرام الواحد، وعلى شعبة الذهب أن تعترف بآليات التسعير التي تضعها، وبناء عليها يزيد سعر الذهب أو ينخفض، خاصة أن المعدن الأصفر يعاني في العالم كله تراجعات ملحوظة، لذلك يجب أن يعرف المستهلك الأساس الذى تم بناء عليه التسعير، وليس مجرد إعلان السعر، الذى يأتي بالاتفاق يومياً بين تجار الذهب.
أخبرني بالأمس أحد الأصدقاء أن سعر جرام الذهب ارتفع 15 جنيهاً مرة واحدة، فقلت كيف يرتفع، وقد حقق انخفاضات عالمية تصل إلى حوالي 40 دولاراً في الأونصة خلال اليومين الماضيين، فكان الأولى أن ينخفض بحوالي 25 جنيها، بما يؤكد أن التسعير يتم بصورة عشوائية، ويخضع لأهواء يصنعها جشع التجار، فلو افترضنا أن الجنيه يحقق انخفاضات أمام الدولار بمعدل قرش أو قرشين يومياً، سيكون الارتفاع بحوالي 100 قرش يومياً " 1 جنيه" عند سعر 56 دولاراً للجرام الواحد، وهو المتداول في بورصة المعادن الآن.
سوق الذهب يحتاج إلى متابعة ورقابة فعالة، وعلى وسائل الإعلام ألا تكتفي بالبيانات اليومية التي يغلب عليها الطابع الدعائي للإعلان عن الزيادات في الأسعار أو الانخفاضات، بل يجب أن يمتد الأمر لأرقام وإحصائيات ومؤشرات وأسباب تحدد آليات التسعير وكيف يتم وضعها، وتفاصيل هذه الصناعة والمكون الأجنبي فيها، وحجم المكاسب التي تتحقق منها، ونسب ومعدلات البيع والشراء خلال الفترة الأخيرة، دون أن يتوقف الموضوع عند فكرة الإعلان اليومي عن الأسعار، التي كما ذكرت من قبل عشوائية ومضللة.