في إطار كتابة سلسلة مقالات تحت عنوان "ماذا لو ؟" تعتمد اعتمادا رئيسيا على صحافة الحلول، من خلال تسليط الضوء على مشكلة معينة أو أزمة مرتقبة لكشف أبعادها وتقديم حلول أو مقترحات أو على الأقل رصدها دون تضخيم أو تقليل ووضعها أمام متخذى القرار، وفى مقالنا اليوم نتحدث عن أزمة كثافة الفصول الدراسية.
بداية.. يجب أن نعلم أن هذه الأزمة تعود جذورها لأكثر من 40 عاما، ويجب أن نعلم أيضا أن هناك اعترافا من الجميع بأن هناك أزمة حتى الدولة نفسها أعلنت بشكل واضح أنها أمام أزمة حقيقية تحتاج إلى وقت وإمكانيات ضخمة بجانب قيام المجتمع المدنى بمسئولياته مع ضرورة مواجهة قنبلة الزيادة السكانية.
ومن المهم أيضا أن نعلم أن هناك ثقافة سائدة بالمجتمع، ترى أنه مهما كانت الظروف أو التحديات، فعلى الدولة أن توفر لكل طالب كتاباً مدرسياً ومعلماً مؤهلاً ومدرسة قريبة من البيت وملعباً رياضياً ووجبة مدرسية، وذلك دون النظر إلى حجم الزيادة السكانية وعدد الأطفال الذي تضخه كل أسرة في المجتمع سنويا، خلاف أن هناك أمرا لا يقل أهمية وخطورة بأن هناك من يستغل هذه الأزمة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى لصالح أهدافه الخبيثة وأجندته الخاصة فنجد مع بداية كل عام دراسى انتشار صور للتكدس وافتراش الطلاب لأرض الفصول، ومقاطع للفيديو، والعجيب أن مثل هذه الصور والفيديوهات يتم تداولها بشكل مستمر مع بداية كل عام..
إذن المشكلة معترف بها من قبل الجميع، ولست أزمة وليدة اللحظة إنما نتاج لعقود طويلة، وأن هناك من يحاول استغلالها لتعكير الجو العام في مصر، ليأت سؤال مهم، ماذا فعلت الدولة للمواجهة؟ المتتبع يجد أن الدولة منذ 2014 بذلت جهودا كبيرة ومقدرة سواء على مستوى الإنشاءات الجديدة، حيث تم بناء آلاف المدارس بشكل غير مسبوق، أو على مستوى عمل صيانات دورية وأعمال تطوير وتوسعات لآلاف المدارس، وكذلك القيام باتخاذ عدة إجراءات مهمة منها، منح صلاحية للمديريات التعليمية لوضع الحلول التي يراها مدير المديرية مناسبة لكل مدرسة تتبعه، واللجوء إلى تطبيق الفترات المختلفة خلال اليوم الواحد، بحيث تتبع مدارس نظام الفترتين، وربما ثلاث في الضرورة القصوى، بحسب درجة الكثافة والاحتياج والإمكانات، وخير نموذج نرصده كشاهد عيان عند طرحنا لأزمة الكثافة بمدرسة الفؤاد الابتدائية التابعة لإدارة الهرم، وفور العرض جاءت توجهات حاسمة من قبل مدير المديرية أشرف سلومة، وكذلك مدير الإدارة التعليمية بالهرم خالد عبد الحميد، بتشكيل لجنة لمعاينة المدرسة واتخاذ قرار بعمل المدرسة بنظام الفترة الممتدة، والأهم سد عجز المعلمين من خلال توفير عدد من المدرسين للمدرسة بحيث يتمكن مدير المدرسة من تطبيق نظام الفترة الممتدة، الأمر الذى لقى ترحابا من الأهالى وعمل على عودة الطلاب من جديد للمدرسة، وهو ما يعكس جدية العمل من قبل متخذى القرار لمواجهة هذه الأزمة.
لذا، نقول، يجب علينا أن نعى تماما أبعاد الأزمة، لأن حصر المشكلة في توفير مزيد من المقاعد للطلاب هو قصر نظر، وأن يجب مراجعة أنفسنا في أن المسئولية هي مسئولة الحكومة فقط، خاصة في ظل سيطرة ثقافة أن تعليم التلاميذ وتوفير غذائهم وعلاجهم ثم إلحاقهم بوظيفة مهمة الدولة من الألف إلى الياء، وأن مهمة الأهل تقتصرعلى عملية الإنجاب فقط، لذلك فاعتقادى أن أول الحلول تأتى من قبل الأهل من حيث إدراك خطر النمو السكانى، فإن لم يكن هناك وعى تجاه هذه الخطر فلن تفيد أي حلول لأنه ببساطة التكدس وثيق الصلة بالأعداد، واستيعاب الأعداد وثيق الصلة بالإمكانات، والإمكانات وثيقة الصلة بميزانية التعليم وسبل الإنفاق وأولوياته، وأن مهما تكون هناك حلول فجميعها حلول آنية لأزمة كبرى، ألا وهي الفجوة بين المأمول والمعمول للتحسن والتطوير، وذلك في ظل آلة إنجاب تضخ ملايين الأطفال سنوياً، حيث 14 مولوداً يأملون في مقعد لكل منهم في الفصل المدرسي كل ثانية.
أما لو تحدثنا عن حلول، فيأتى على رأسها ضرورة مساهمة رجال الأعمال لتوفير موازنات بديلة، وقيام المجتمع المدنى بمسئولياته، والعمل على إيجاد طرق تربوية وأدوات للتغلب على هذه المشكلة، مثل تغيير طريقة التدريس، وطريقة ترتيب الطلاب وتوزيع اليوم الدراسى، والعمل على تقسيم عدد أيام الأسبوع بمعنى إعادة تنظيم اليوم الدراسى ، وتعميم نظام الفصل الطائر بمعنى ألا يكون هناك فصل ثابت لكل مرحلة ولكن بخطة منظمة، وكذلك استغلال بعض الأماكن الفارغة فى المدرسة للتدريس فيها بشكل منظم لضمان عدم ضياع وقت الطالب، بالإضافة إلى أن هناك حل أخر هو العمل على تعظيم الاستفادة من الأصول غير المستغلة في الدولة وإعادة هيكلتها وتحويلها إلى مدارس وفصول دراسية.
وأخيرا.. يجب أن يكون هناك وعى حقيقى بأبعاد أزمة كثافة الطلاب في الفصول الدراسية، ولا يجب على الإطلاق قصر إصلاح التعليم على إصلاح عنصر واحد فقط وهو القضاء على الكثافة بالفصول، نعم هو عنصر مهم للغاية، لكن هناك عدة عناصر أخرى يجب أن لا نغفلها أثناء التطوير، فالمهمة صعبة وإذا لم يتعاون الجميع، ويتحول الاصلاح إلى هدف لكل مواطن ومسئول لن يتحقق أى شئ.. حفظ الله مصر وشعبها