سيكولوجية المواطن المصري في التعامل مع ظاهرة الدروس الخصوصية غريبة وعجيبة وتستحق التأمل والدراسة، خاصة بعد ظهور ما يسمى السنتر التعليمي، الذى يضم عشرات الطلاب داخل قاعات كبيرة، مملوءة بمكبرات الصوت وشاشات العرض، ولا تخل من فقرات ترفيهية وفنية للطلاب بين الحين والآخر، لدرجة أن القاعة الواحدة تعمل بطاقة 500 طالب، في حين لا تنقطع شكاوى أولياء الأمور وانتقاداتهم من تكدس الفصول حين تصبح الكثافات بها من 60 إلى 80 طالباً.
لماذا لا يفهم الطالب داخل الفصل الذى لا يتجاوز مستوى الكثافات داخله 80 طالباً في أغلب الأحوال، بينما يفهم ويتفاعل داخل القاعة التي تضم 500 طالب، وبها كل مظاهر الضجيج والضوضاء، وتغيب فيها فرصة التفاعل والرد على الجميع أو اختبارهم بالصورة التي تضمن الاستيعاب الجيد للدروس والمقررات، مع العلم أن المدرسة مجانية ولا يدفع لها الطالب سوى رسوم رمزية، بينما مراكز الدروس الخصوصية تدفع فيها الأسرة "دم قلبها" كما يقول التعبير المصري الدارج.
"زامر الحي لا يطرب" هكذا جاء المثل العربي القديم، ليجيب على ما نفكر فيه، فالتعليم ليس الدروس الخصوصية أو الحصص المدرسية، لكنه في الأصل إرادة المتعلم ودوافعه نحو التعلم، وتغيير واقعه وظروفه وحياته، لذلك أتصور أن الإرادة في التعليم هي الأصل ومن يفتقرونها لا يتميزون في مراحل التعليم، حتى لو أتيحت لهم الإمكانيات والمزايا والعوامل المساعدة، فالرغبة والدافع نحو التعلم هي التي تنعكس على مستويات الإنجاز، وترسم ملامح القدرة على صياغة مستقبل مختلف، لذلك لا أتصور أن مشكلة التعليم في مصر الكثافات أو الفصول أو مستويات الرفاهية داخل المدارس لكنها الإرادة والدافع.
أولياء الأمور يمثلون جزء كبير من الإرادة والدافع لدى أبنائهم، لذلك يجب أن يسعى أولياء الأمور لشرح مزايا التعلم لدى الطالب وغرس الدوافع بداخلهم، باعتبار التعليم هو المحرك الأول لتغيير حياتهم للأفضل وبدونه سيفقدون البوصلة وتغيب عنهم الفرص وأسباب النجاح، دون أن يكون دور أولياء الأمور توفير الموارد المالية للدروس الخصوصية أو المصروفات اليومية، فالموضوع أكبر وأعمق من ذلك بكثير، لذلك علينا أن نفهم أبعاد هذا الموضوع جيداً ونحاول فهمه بصورة خارج الحسابات النمطية والافتراضات التي نتصور أنها صحيحة دائماً.
من حق أولياء الأمور أن يختاروا نوعيات المدارس التي تتوافق مع مستوياتهم المادية والاجتماعية، ما بين دولية وخاصة لغات أو حكومية، لكن عليهم التوقف عند فكرة أساسية مفادها أن الاستيعاب واحد وأن المجتهد في المدرسة الحكومية سيكون كذلك في المدرسة الدولية، ومستوى المدرسة لن ينعكس بالضرورة على قدرات ومدركات الطالب، وأكبر دليل على ذلك أن كل أوائل الثانوية العامة سنوياً أو أغلبهم من أبناء المدارس الحكومية، مع العلم أن المدارس الخاصة باتت تمثل تقريباً نحو 20% من التعليم العام، بما يؤكد أن المقياس ليس مستوى المدرسة، لكنه الرغبة والدافع نحو التعلم.
هناك ما يقرب من 60 ألف مدرسة في مصر، تخدم حوالي 25 مليون طالب في المراحل التعليمية المختلفة، لذلك العبء ثقيل، والمسئولية كبيرة، والموضوع ليس سهلاً كما يتصور البعض، فالتكلفة الإجمالية التي تتحملها الدولة مرتفعة جداً، التزاماً بنصوص المجانية الموجودة في الدستور المصري، لذلك أتمنى مراعاة هذه الأبعاد عند مناقشة قضية الكثافات داخل الفصول، وعقد مقارنة عادلة بين الأعداد التي تحضر في مراكز الدروس الخصوصية وتلك الموجودة في المدارس، والوقوف على فكرة "الإرادة" كمحرك أساسي لرغبة أي طالب في التعلم، وعدم استخدام فكرة الإمكانيات والرفاهية باعتبارها الأساس في معيار تميز الطالب.