حالة من التفاؤل تسود القطاع الصناعي والعاملين فيه في مصر منذ انعقاد المؤتمر الاقتصادي والتوصيات والنتائج التي أسفر عنها والسعي الفوري في تنفيذها ثم جاء انعقاد المعرض الصناعي الدولي الأول بالأمس وما شهده من تناغم لم يحدث من قبل بين القيادة السياسية والحكومة و قطاع الصناعة وما صرح به الرئيس السيسي من الدعم الكامل للصناعة والمصنعين وإزالة كافة العقبات والمشاكل التي تواجه واحد من أهم القطاعات الإنتاجية في مصر والتي تعول عليها الدولة في تحقيق حلم 100 مليار صادرات.
الإرادة السياسية كانت واضحة وجلية سواء بالدعم اللوجستي أو بالدعم المالي المباشر وإزالة حالة العداء الوهمية والمصطنعة بين الحكومة وباقي القطاعات الاقتصادية وخاصة في القطاع الخاص في مصر. فبناء الوطن يأتي بالمشاركة والاحساس دائما بأن الكل في واحد والواحد للجميع.
حقيقة الأمر أن حالة التفاؤل والثقة المتبادلة بين الحكومة والمستثمرين الوطنيين وغيرهم في القطاع الصناعي السر وراءها المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية " ابدأ" والتي تهدف الى توطين الصناعة الحديثة وتقليل الفجوة الاستيرادية وتوفير فرص عمل. وهي المبادرة التي تم إطلاقها بتكليف وتحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال إفطار الأسرة المصرية العام الماضي.
والسؤال الذي قد يبدو بسيطا وبديهيا في أذهان البعض ..وهو هل كنا في حاجة الى مثل هذه المبادرة حتى تدور عجلة الإنتاج بقوة وبثقة كاملة متبادلة وبدعم لا مثيل له ..؟
الإجابة بالطبع نعم فقد عانى هذا القطاع من كثير من التعقيدات القانونية والسلوكيات البيروقراطية التي غاب عنها المصلحة العليا للبلاد والحلم والطموح التي تسعى اليها القيادة السياسية في الجمهورية الجديدة، وكشفت عنه الدراسات السابقة لاتحاد الصناعات ثم جلسات المؤتمر الاقتصادي الأخير وبحضور رئيس الدولة.
في الماضي غابت الإرادة السياسية وقبلها غاب الحلم والطموح على مدار أربعة عقود لتأسيس أو إعادة تأهيل القاعدة الصناعية الكبرى لمصر وبالتالي الخروج من حالة الارتهان للخارج وأزماته بالاستيراد حتى في سلعنا الاستراتيجية حتى بلغ حجم الاستيراد قبل 8 سنوات أكثر من 75 مليار دولار. انهارت الصناعة المصرية التي كان من المفترض أن تكون قاطرة التنمية بحق ورأس الحربة في زيادة الإنتاج سواء لتغطية احتياجات السوق المحلي أو للتصدير وبالتالي توفي فرص العمل وتوفي العملة الصعبة وضبط السوق الداخلي.
تأخرنا كثيرا ..لكن ومع اطلاق مبادرة " ابدأ" تحت رعاية وتكليف الرئيس توافرت الإرادة السياسية التي كنا دائما ما نحتاج لها ونطالب بها وأن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي أبدا. والحلم في تحقيق الأمل هو البداية.
فالمبادرة تتكامل أهدافها مع الأهداف الوطنية للدولة المصرية، والتزاماتها الدولية وجهودها نحو تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام، وتوفير حلول الطاقة النظيفة، والابتكار في المجال الصناعي، والاستهلاك والإنتاج بشكل مسؤول.
والأمل والرؤية الواضحة والمحددة أن تسهم في تشجيع وتنفيذ أكبر عدد من المشروعات الصناعية ذات القيمة المضافة المرتفعة، بتمكين القطاع الخاص بالتكامل مع جهود الدولة لخلق كيانات اقتصادية قوية قادرة على المنافسة عالميا. وتقوم الاستراتيجية على عدة أهداف رئيسية لتشكل القاعدة التي سيبنى عليها مستقبل مصر الصناعي وهي توفير فرص عمل للشباب، توطين الصناعات الحديثة، تقليل الفجوة الاستيرادية، محاور عمل المبادرة.
والواضح أن ابدأ لديها رؤية شاملة بكافة مكونات الصناعة واحتياجاتها ومشاكلها وأيضا ولذلك فهي تسير على محاور عدة أولها محور دعم الصناعات ويهدف الى تقديم الدعم الفني والمادي للمصانع المخالفة والمتعثرة ومساندتها حتى تستطيع تقنين أوضاعها. وعلى التواصل المستمر بالتنسيق مع فريق مؤسسة حياة كريمة الموجود في كافة قرى ومراكز حياه كريمة للبناء على جهود الدولة وإحداث طفرة في البنية الأساسية، وعمل تمكين اقتصادي من خلال توطين سلاسل صناعات متكاملة بمراكز حياه كريمة تضمن تعظيم استغلال القيمة المضافة لموارد هذه المراكز، وتوطين صناعات حديثة بها.
المحور الآخر والمهم للغاية للصناعة المصرية وهو التدريب والبحث والتطوير ويركز على بحث مشكلات المصانع المتعثرة وإيجاد أنسب الحلول لها بطرق علمية عملية حديثة وبأقل تكلفة، وتحديث الصناعة في مصر وتطويرها على المستويين القطاعي والفردي بما يضمن مواكبتها للتكنولوجيا العالمية الحديثة والتطورات العالمية المتلاحقة وتحديث وتطوير معامل الاختبار والمعايرة التي تعمل في قطاع الصناعة وفقا للمعايير الدولية واعتمادها من جهات اعتماد تمكن المنتجات الصناعية المصرية من دخول الأسواق العالمية.
ويأتي دور محور التدريب في توفير التدريب الفني والمهني والتثقيفي للعمالة الحالية بقطاع الصناعة وخصوصاً المصانع المتعثرة والعمالة الجديدة التي يحتاجها قطاع الصناعة بما يضمن توفير عمالة مثقفة ومدربة طبقاً للمعايير الدولية وتلبي متطلبات واحتياجات سوق العمل المحلي والاقليمي والدولي من التخصصات والمهارات المختلفة التي يحددها أصحاب العمل وبما يضمن توفير فرص عمل لائقة بمعدلات عائد مناسبة تؤمن حياة كريمة للعامل المصري وتؤدي إلى إعادة صياغة النظرة المُجتمعية السلبية عن العامل المصري.
الحلم كبير مع " ابدأ" بشرط ألا يتوقف فهذه هي البداية كما قال المشرفون على المبادرة وهي الخطوة الأولى في مشوار النهوض بالصناعة المصرية من جديد وعلى أسس علمية ووفقا للمواصفات العالمية. واعجبني في كلمات أحد المصنعين بالأمس أن هناك أيضا اجتماعات تحدث بين المتنافسين في منتج واحد للوصول الى تطويره وأظن أنها مسألة تحدث لأول مرة لتوحيد الجهود وتوفير الأموال وتأتي المنافسة في الجودة والتسويق.
يقوم المحور الأول للمبادرة وهو محور المشروعات الكبرى على عقد شراكات مع كبار المصنعين سواء كانت مشروعات قائمة ترغب في تطوير أنشطتها أو مشروعات جديدة.
الحلم ليس بعيد المنال وربما الأرقام التي حققتها الصادرات المصرية في العام الماضي تشير الى أنه ومع الإرادة السياسية نستطيع تحقيق حلم ال100 مليار صادرات وأكثر . فحسب مجلس الوزراء في فبراير الماضي فقد حققت الصادرات قفزة غير مسبوقة بحوالي 45 مليار دولار وهو رقم ينبغي البناء عليه.
نستطيع بالفعل طالما توافرت الإرادة والادارة.. وكما قال الشاعر .. لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أحلام الرجال تضيق