الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم كاشفة لأهمية التخطيط والإدارة على مستوى الأفراد قبل المؤسسات، فالفرد وحدة القادر على تسيير أموره الاقتصادية بالصورة التي تكفل حياة مستقرة دون مشكلات، في غمار الأزمة التي تطحن العالم كله، وتتجلى تبعاتها الأخطر على الاقتصاديات الناشئة والدول النامية، لذلك بات مهماً أن يضع كل منا خطته الخاصة لمواجهة الأعباء المادية المتزايدة خلال الفترة المقبلة، وإدارتها بالطريقة التي تصبح معها الخسائر في أقل صورة ممكنة.
مهم جداً لكل من يحاول التماشي مع الظروف الراهنة أن يتخلى عن جزء من رفاهيته، ويضبط استهلاكاته بصورة رشيدة، لنصل إلى الاستهلاك الفعلي لا الترفي، الذي نعاني منه سنوات طويلة ارتباطاً بمجموعة من العادات الخاطئة، ومهم جداً أن ندرك جميعاً أننا مصدر الخير والشر لأنفسنا، وأن الحكومة وأجهزتها التنفيذية، ليست مسئوليتها أن تطعمنا وتسقينا كما يتصور البعض، أو أنها تقوم بدور الأب والأم، فتلك العلاقة العاطفية المبالغ فيها، لا توجد في أي دولة بالعالم، وآن الأوان أن نراهن على أنفسنا وقدرتنا في صناعة واقع مختلف.
الحساب يوم القيامة شخصي كما بشرنا القرآن وكل يجزى بمقدار ما يعمل، وقد قال تعالى : " كل نفس بما كسبت رهينة"، وقال أيضا "من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد"، وقال كذلك "يوم يفر المَرء من أَخيه وَأمه وَأَبيه وَصَاحبَته وَبَنيه لكلّ امرئ منهم يَومَئذ شَأنٌ يغنيه"، فلن يحاسب أحد على أفعالك أو يتقدم شخص لتحمل خطاياك مهما كان قريباً منك، لذلك بات مهماً أن نعتمد على أنفسنا، ونقيم أفعالنا بما يتواكب مع قدراتنا، وهذا مفتاح كل قضية، فلو عرف الفرد مسئوليته لنجح المجتمع في تجاوز كل ما يواجه من صعوبات وتحديات.
حياة الأمم والشعوب لا تنضب من الخبرات والتجارب، ولا تنفك أن تمنحنا الكثير من الدروس والعبر، التي نخرج منها مسلحين بخبرة الاستعداد والتعود، وتجربة المعايشة والاندماج، التي نصبح بعدها أكثر قدرة على إدارة الأمور بصورة أفضل، والوصول إلى نتائج أكثر إيجابية، وهذا لن يحدث إلا بالتخطيط والدراسة، وهنا ليس المعنى أن نصبح جميعا من خريجي الجامعات، ونحمل شهادات عليا، ولكن التخطيط بمعناه الأشمل، وهو القدرة على إدارة الموارد بصورة صحيحة، والتحول من العجز إلى الفائض أو التوازن في أضعف الأحوال.
الفقراء والطبقة المتوسطة، حتى الأغنياء في حاجة إلى ضبط البيت من الداخل، والاستعداد لما قد تفرزه الفترة المقبلة من تجارب وخبرات، وهذا الضبط الذى أتحدث عنه يجب أن يبدأ من تقليل الاستهلاك بصورة ننجح معها في أن نتخلى عن المنتجات التي تستنزف العملة الصعبة ونستبدلها بأخرى محلية الصنع، حتى وإن كانت متوسطة الجودة، وأن ندعم كل المنتجات المصرية، وهذه فريضة غائبة، لكنها يجب أن تحضر سريعاً في ظل الأزمة الراهنة، أخيراً يحتاج كل منا إلى موازنة صغيرة، تشمل الإيرادات والمصروفات، لينضبط ما ننفقه مع ما يأتينا من موارد، ونتجاوز كل ما قد يقودنا إلى العجز والاستدانة، ووضع بنود مرنة وخطط بديلة لمواجهة أي طوارئ أو مستجدات.