ما يحدث فى جنوب السودان يذكرنا بالسيناريو المراد لبلدنا
كلما تداعت الأخبار بأعراض الفوضى الخلاقة فى أحد البلاد العربية أو بلدان الشرق الأوسط، أعدت على نفسى السؤال المصحوب بحمد الله وشكره على نعمته السابغة: كيف ولماذا نجت مصر من وباء الفوضى الخلاقة؟ الصور والأخبار من جنوب السودان تشير إلى أنها الدولة الأحدث المستهدفة بوباء الفوضى التى تمثلت فى حروب شوارع طاحنة بين النظام ومتمردين لا أحد يعرف بما يطالبون وما طموحهم فى دولة وليدة لم تنل استقلالها إلا منذ خمس سنوات فقط، ورغم امتلاكها ثروات نفطية ومعدنية فإنها تعانى من ضعف البنية التحتية وندرة الكفاءات وتوزع الأهواء، الأمر الذى سمح بظهور فيروس الفوضى واندلاع الحرب الأهلية.
نفس السيناريو كان يراد لهذا البلد لولا أن الله سخر له رجالا يحبونه ويسهرون على حمايته، فكانت قرارات حماية الشعب وثورته فى 30 يونيو، كما كانت الوقفة الصلبة وتلاحم الجيش والشعب بكل فئاته فى وجه المؤامرات الغربية التى تلت 3 يوليو وعزل مندوب الإخوان والمخابرات الأمريكية فى قصر الرئاسة، فتكسرت كل الضربات الاقتصادية والسياسية والمؤامرات التخريبية على صخرة هذا التلاحم بين الشعب وقواته المسلحة، وبدأت قطاعات واسعة من الجماهير تدرك خبايا وأسرار الحروب الذكية والحروب المعلوماتية وحروب السوشيال ميديا واستخدام الشخصيات العامة والفنانين والإعلاميين فى تشويه النظام والإنجازات.
كيف نجت مصر من الفوضى المدمرة والعالم يشتعل بالحروب التكتيكية المحدودة والعمليات الإرهابية التى تقف وراءها أجهزة المخابرات الدولية؟ فى كل بلد بؤرة توتر داخلية أو حدودية أو إقليمية، ولتنظروا ليس إلى جنوب السودان وحدها، بل إلى قارات العالم القديم الثلاث، آسيا وأفريقيا وأوربا، الإرهاب هو الفزع الأكبر والحروب الأهلية كالماء والهواء والدماء تسيل يوميا، مع غياب الأمل بأن يتغير الوضع فى القريب العاجل لأن الساسة المتحكمين بالأمور، وعلى رأسهم باراك حسين أوباما، يسترزقون من تجارة الدماء والأسلحة وإعادة تخطيط العالم من جديد.
فى الماضى القريب كانت المنطقة العربية وأفريقيا تحت حزام الصحراء هى المنطقة الأكثر ابتلاء بالحروب الأهلية والثورات والاشتباكات، ربما لأنها المنطقة المخطط لها إعادة التقسيم بعد انصهارها واشتعالها بالفوضى، لكن المخططين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكونوا يتوقعون أن تمتد النيران خارج الصندوق العربى إلى أوروبا، لتجتذب القوى الكبرى فى صراع ومواجهة غير محسوبة بالمرة.
لم تعد عاصمة عربية أو أوربية بعيدة عن الذئاب المنفردة أو التفجيرات عن بعد أو عمليات التفجير باستخدام السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، مع انتشار أعداد كبيرة من الشباب المحبط والغاضب من أصول عربية وإسلامية فى مختلف العواصم الأوروبية، وهو يشهد بوضوح المؤامرة الغربية المعلنة ضد البلاد العربية والإسلامية وما تؤدى إليه من قتل وتشريد مئات الآلاف، والانفجارات تتوالى فى العواصم العربية والغربية دون بيان واضح عن الفاعل، وفى كل مرة يخرج تنظيم داعش الإرهابى ليعلن مسؤوليته عن الحادث أو ينشر عددا من صور الأنصار التابعين له قبل تجنيدهم للقيام بالعمليات الانتحارية.
ماذا يريد أوباما من إشعال العالم إذن؟ وهل خرجت النيران المشتعلة فى مختلف مناطق العالم من تحت سيطرته بالفعل؟ الإجابة أن أوباما وإدارته لا يملك مشروعا حضاريا لقيادة العالم، ولا يملك إغراءات اقتصادية كافية لقيادة العالم، ولا يملك زادا ثقافيا يغزو به العالم أيضا، فلم يعد لديه إلا محاولات الاحتواء والسيطرة على مناطق العالم الغنية بالطاقة وفرص العمل، وتزدهر بمعدلات النمو، ليضع يديه عليها، فلم يعد لديه إلا إشعال العالم بالحروب الصغيرة الأكثر إجهادا وتكلفة حتى تدور مصانع الأسلحة الأمريكية، وحتى يستطيع أن يمد سيطرته على العالم عقدا جديدا، فى ظل الصعود الصينى والتماسك الروسى والتحالف الأوروبى.
البلد الذى يمتلك مشروعا وطنيا للنهضة والتنمية، والذى يتمتع بالتلاحم بين مؤسساته الصلبة والشعب الواعى الفاهم، وحده يستطيع أن ينجو فى هذا العالم المضطرب، وأن يتجنب ويلات حرب طاحنة يمكن أن تشعل العالم كله، ففى مشروعه خلاصه وفى وحدته نجاته وفى إيمانه بقاؤه.