أتذكر عندما كنت طفلة، كانت جدتى تشجعنى على تناول صحن الطعام، وكانت تشجعنى على ذلك مازحة بأننى إذا لم أنتهى من تناوله كاملاً سوف يغضب منى الصحن أو أن أمنا الغولة الأسطورية سوف تعاقبنى بطريقتها على عدم تناولى للطعام، هكذا كانت تلجأ جدتى ومعظم الجدات والأمهات قديماً لهذه الحيلة لإجبار الأطفال على تناول الطعام حتى لا يضطرن لإلقاء بعضه في القمامة.
وأتذكر أيضاً جدتى وهى تفحص بين الحين والآخر خزانتها و تكتشف قطعة ملابس قديمة مهملة أو تحتوى على بعض الثقوب أو إنها لم تعد تناسب أحد من أفراد أسرتنا، كانت تعطى القطع التي لم يصيبها ثقوب أو تحولت لقطعة قماش بالية لأحد المحتاجين، و القطع البالية كانت تتفنن في إعادة تدويرها سواء بتحويلها لقطعة قماش تساعدها على حمل الأوانى الساخنة أثناء طهيها للطعام أو لتنظيف قطع الأثاث في المنزل أو حتى لتحويلها لقطعة ملابس مختلفة يمكن ارتدائها من خلال إعادة تصميمها سواء بتقصيرها أو بتطريزها وهذه الحيل كانت تلجأ إليها الكثيرات من السيدات المصريات رغبة منهن في إدخار نقود أزواجهن، وفى نفس الوقت كانا يساعدن بطريقة غير مباشرة في الحفاظ على البيئة من التلوث الذى تحدثه قطع الملابس القديمة عندما تلقى في القمامة، وهذا ما أكدته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن 71٪ من اللدائن الدقيقة الموجودة في عينات من مياه الأنهار جاءت من الألياف، و يمكن أن تعود 35٪ من جزيئات البلاستيك الدقيقة الموجودة في المحيطات إلى المنسوجات، وفقاً لما ذكره تقرير منشور بموقع " bloomberg "، ووفقًا للبيانات الصادرة من وكالة حماية البيئة الأمريكية، فإن كمية نفايات الملابس والأحذية التي يولدها الأمريكيون كل عام وصلت إلى أكثر من 13 مليون طن في عام 2018، و حوالي 70 ٪ من تلك الملابس انتهى بها الحال بإلقائها فى النفايات.
وبهذا أستطيع أن أقول إن المرأة المصرية من أوائل السيدات في العالم اللواتى أدركن خطورة الملابس القديمة، وسعين لإعادة تدويرها قبل أن يدرك العالم هذا الأمر ويطلق عليه "إعادة تدوير"، وأبدعن المصريات أيضاً في إعادة تدوير الكثير مثل بقايا الطعام الذى يعملن على إعادة تحضيره بإضافة مكونات أخرى عليه حتى لا يصبح مصيره القمامة، كما يستغلن زجاجات الماء في تعبئة صابون الصحون وغيرها من المنظفات المختلفة، وكذلك برطمانات المربى والمواد الغذائية الأخرى التي يحرصن على تنظيفها وتعبئتها من جديد بتوابل أو سكر أو أي شيء أخر وكذلك علبة البسكويت التي اعتادت النساء لتحويلها لعلبة خيوط وأبر خياطة.
ولأن مصر والعالم يهتمون بالحفاظ على البيئة، وبعد نجاحنا في استضافة مؤتمر قمة المناخ بأول مدينة خضراء في مصر وهى شرم الشيخ، وسعى الكثير من المؤسسات المصرية على اتباع إعادة التدوير، أدعوك عزيزى القارىء بضرورة أن نعود لتنفيذ نصائح جداتنا وأمهاتنا ونعيد تدوير ملابسنا وإكسسوارتنا وكافة الأشياء التي يمكن إعادة تدويرها من جديد، لنحافظ على البيئة من التلوث الذى يؤدى مع مرور الوقت لكوارث تهدد حياتنا على كوكب الأرض.