المتتبع لأسلوب الإدارة المصرية للملفات الرئيسية، على مدى السنوات القليلة الماضية، يلحظ مدى الواقعية في التعامل مع الأزمات ومواجهة التحديات، وفقا لما تقتضية طبيعة كل مرحلة.
لأول مرة منذ عقود طويلة، تتعرض الدولة المصرية لتهديدات من المحاور الأربعة الإستراتيجية، وهو ما لم يحدث تقريباً من قبل. وغالبية هذة التهديدات هي إنعكاس للموقف الصلب للشعب المصري وقواتة المسلحة عقب ثورة 30 يونيو المجيدة، التي تمسكت بثوابت الوطن والأرض.
لأول مرة - في التاريخ الحديث - تتعاظم التهديدات بهذا الشكل، وعلى هذه المحاور الاستراتيجية مرة واحدة، في ملفات أقل ما توصف بأنها " بالغة الحساسية"، ورغم كل ذلك بقيت مصر بقوتها وعزيمتها وقدرتها على التعامل والتجديد.
لم يكن أمام الدولة المصرية سوى، التعامل بواقعية مع كل هذة الملفات وإدارتها إدارة متأنية، تراعي مواقف مصر الثابتة، كدولة محورية في الشرق الاوسط وبوابة رئيسية للمنطقة وأفريقيا، والدولة العربية الكبرى بقيمها وهويتها.
خلال الأسابيع الماضية، اثمرت جهود هذة الإدارة الواقعية لهذه الملفات، ووضعت مصر كدولة محورية في الأحداث، من خلال مواقفها الثابتة والواضحة، والتي تجلت في مشاركة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الحادية والثلاثين بالجزائر وتأكيد الدولة المصرية - من منطلق دورها المحوري- على أهمية تحقيق الاستقرار، في ظل التحديات القائمة على المستويين الدولي والإقليمي بعد جائحة كورونا، والحرب الروسية – الاوكرانية وتداعياتها.
رؤية مصر الواقعية حملتها، مفردات كلمة السيد الرئيس في القمة، خاصة فيما يتعلق باستلهام روح القومية العربية، وتجديد عزيمة الصمود من أجل الحفاظ على هويتنا وصون مقدرات الأمة.
الخطاب المصري كان واضحاً، فيما يتعلق بالأمن القومي العربي، الذي هو كل لا يتجزأ، خاصة في مفهوم الدولة الوطنية، وتدخل بعض القوى الأجنبية في شؤون المنطقة من خلال تغذية النزاعات ووصولا - في بعض الاحيان - إلى التدخل العسكري.
من هنا كانت الطرح المصري بضرورة نبذ الطائفية والتعصب والقضاء على التنظيمات الارهابية والميليشيات المسلحة، وقطع الطريق أمام محاولات دعمها أو منحها الغطاء السياسي.
بعد قمة الجزائر بأيام قليلة، كانت مصر على موعد مع قمة المناخ cop27 بشرم الشيخ، والتي ضربت فيها الإدارة المصرية المثل، في التنظيم والإعداد الكبير والقدرة على إدارة الحدث بكفاءة اشادت المنظمات الدولية.
وفي إعتقادي أن الدولة المصرية، لو كانت قد تعاقدت مع كبرى وكالات العلاقات العامة الدولية لإدارة هذا الحدث، ما كانت قد حققت هذه النتائج المبهرة بهذه الفاعلية وهذا التأثير.
الدليل الابلغ على واقعية الادارة المصرية لملفاتها هي تلك النتائج السياسية الكبيرة، التي تحققت في هذا المؤتمر، وليست النتائج الاقتصادية فحسب. فعندما ننظر إلى الموقف الامريكي، وخاصة هذا التحول الكبير في السياسة الامريكية تجاه مصر، وهو من إنعكس في خطاب الرئيس الامريكي جو بايدن، الذي أكد على أهمية الدور المصري، ليس في المنطقة ولكن كدولة مؤثرة في العالم بتاريخها وعمقها الحضاري.
مصر تسير بخطى ثابتة، وإدارتها للملفات " بالغة الحساسية" إدارة متأنية، وواعية ومدركة لحجم التحديات والمتغيرات التي يشهدها العالم..