من يتابع تطورات الأحداث فى منطقة جنوب شرق آسيا سيتوصل إلى نتيجة منطقية بأن هذه المنطقة مقبلة على أزمة كبيرة، رأس الحربة بها الولايات المتحدة الأمريكية، التى قررت أن ترفع يدها تدريجيًا عن الشرق الأوسط الملتهب، وتنتقل إلى جنوب شرق آسيا، خاصة أنها ترى أن الخطر الصينى يحاصرها من كل جهة،
وبدأت فى إشعال نيران الفتنة فى منطقة بحر الصين الجنوبى، ودخلت واشنطن فى تحالفات مع الدول التى تنازع الصين على أحقيتها فى البحر، ومن بينها الفيليبين.
ونشرت الولايات المتحدة منظومة الصواريخ الأمريكية المتقدمة «ثاد» فى كوريا الجنوبية، وقيل إن السبب فى ذلك هو مواجهة تطورات التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية، وهو ما اعترضت عليه الصين التى ترى أن هذا الإجراء سيؤدى إلى اختلال التوازن العسكرى فى منطقة المحيط الهادئ لصالح واشنطن، وقال وزير خارجية الصين وانج وى «نحن قلقون جدا بشأن احتمال قيام الولايات المتحدة بنشر منظومة ثاد فى كوريا الجنوبية.. هذه الخطوة هى أبعد من الاحتياجات الدفاعية الفعلية للدول المعنية، وستؤثر مباشرة على الأمن الاستراتيجى للصين وروسيا.
وتعتبر الصين أن نشر هذه الصواريخ يستهدفها هى، وليس كوريا الشمالية، لأن الكوريتين يشتركان فى الحدود وليس هناك حاجة لاستخدام منظومة صواريخ «ثاد» لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية، وإنما يكفى إمداد الجنوبيين بالمدفعية أو منظومة صواريخ تتناسب مع قرب المسافة مع جارتها الشمالية، لكن أن يتركز التسليح على صواريخ «ثاد» فالأمر يثير أسئلة كثيرة حول الهدف الأساسى من وراء نشرها.
والثلاثاء الماضى أصدرت محكمة التحكيم الدائمة فى لاهاى قرارًا قالت فيه إن الصين لا تملك «حقوقا تاريخية» على القسم الأكبر من مياه بحر الصين الجنوبى الاستراتيجية، مؤيدة موقف الفيليبين فى القضية، وسرعان ما أعلنت الولايات المتحدة ترحيبها بالقرار الذى اعتبرته يمثل «إسهاما كبيرا» فى حل الخلافات الإقليمية، مع الترويج لفكرة أن قرار «المحكمة نهائى وملزم قانونيا للصين والفيليبين».
هذا القرار يزيد الوضع تعقيدًا فى منطقة بحر الصين الجنوبى، لأن الصين لا تعترف بهذا القرار ولم تشارك فى المحكمة من الأساس، وقال الرئيس الصينى شى جين بينج أن بلاده لن تقبل أى اقتراحات أو أفعال مبنية على هذا الحكم فى القضية التى رفعتها الحكومة الفيليبينية السابقة بشكل أحادى ضد الصين عام 2013. بكل تأكيد ستحاول الولايات المتحدة استخدام هذا الحكم لزيادة التوتر فى المنطقة، لكن الصين وفقًا لما سمعته من دبلوماسى صينى ستظل ملتزمة بالحفاظ على السلام والاستقرار فى بحر الصين الجنوبى الذى يعد ممرا استراتيجيا مهما تمر فيه سنويا تجارة دولية تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات، وكذلك ستظل حريصة على تسوية الخلافات بين الدول المعنية مباشرة عبر المحادثات السلمية التى ترتكز على الاعتراف بالحقائق التاريخية والتوافق مع القانون الدولى. بالطبع هناك ترابط استراتيجى بين نشر صواريخ «ثاد» فى كوريا الجنوبية وبين الحكم الأخير، وكذلك صفقة بيع صواريخ «باترويت» الأمريكية لتايوان، وهو ما يشير لوجود قلق استراتيجى أمريكى من تطور الصين ونموها إقتصاديًا وسياسيًا، وبالتالى فإنها تعمل على تحجيمها بشتى الطرق، بإثارة المشاكل مع جيرانها وزيادة التوتر فى المنطقة للضغط على الصين.
بالطبع هذا القلق والتوتر الذى تشهده منطقة جنوب شرق آسيا لن يكون الأول وإنما سيستمر طويلاً، وهنا يبرز رد الفعل الصينى الذى يمكن البناء عليه لتحديد مستقبل المنطقة، وهل هى مقبلة على حرب أم ماذا؟.. الصين تؤكد دومًا أنها أكبر من كل هذه الأزمات والمشاكل والتحديات، ورغم عدم قبولها بقرار المحكمة الذى تعتبره «غير نزيه» فإنها تؤمن بأن الهدف الأساسى مما يحدث هو محاولة إغضاب الصين وإفساد علاقاتها مع جيرانها.