لا يمكن لأحد أن يلوم رجال الجمارك بمطار القاهرة على القيام بواجبهم، وضبط أي إنسان يخالف القانون أو يخرج عليه ، أيان كانت مكانته أو موقعه أو شهرته ، ولكن الواقعة التي حدثت منذ عدة أيام والخاصة بالفنانة منة شلبي ، تثير الكثير من علامات الاستفهام حول مدى تمسك السادة رجال الجمارك بالأصول وخضوعهم أيضا للقانون، وهو ما يجعلهم هم أنفسهم عرضة للمساءلة والتحقيق، فالقانون تطبيقه ليس قاصرا على المواطنين فقط ، لكنه يمتد للقائمين على تطبيقه ، بل ومن المفترض أن يكون أكثر حسما معهم ، فلو كان الأمر قد توقف عند الضبط وتحويل الأمر للنيابة ، حتى تصدر قرارها ، ثم بيان توضح فيه أركان الواقعة- كنا احترمنا موقفهم وما اتخذوه من إجراءات .
لكن الموضوع تحول لاستعراض إعلامي ، بما يخل من تصرف غريب بقيامهم بالتحلق حول المضبوطات والتصوير معها ، ومن قبلها تسريب تفاصيل الواقعة وبيانات مواطنة مصرية وصورة جواز سفرها ، وقد استبقوا في ذلك بيان النيابة ، فمن المفترض أن هذه المواطنة لا تزال تحت حماية القانون حتى لو ارتكبت خطأ أو حتى جريمة ، فالقانون يكفل سرية تلك البيانات حتى تتم إدانتها ، فيا تُرى ما هي الأسباب التي دفعت رجال جمارك مطار القاهرة للخروج عن مقتضيات وظيفتهم والسعي لاستعراض إعلامي لم يسء لصورتهم فحسب بل طالت شظاياه أناس لا دخل لهم بالقضية ؟ حتى راح البعض ينسج القصص ويسرح بخياله أن وراء الحكاية حكاية أكبر ، ونحن في غنى عن كل هذا لو كانوا قد التزموا بقواعد عملهم .
من المؤكد أن ما فعله هؤلاء من خروج عن متطلبات عملهم هو اغتيال معنوي لهذه الفنانة الكبيرة ، التي لو ثبت خطأها لاستوجب محاسبتها كغيرها من المواطنين ، فكان يكفيها ما تعرضت له إجراءات وهذا حق الدولة ، ولكن ما تبعه ليس من حق أحد ولا أعرف إن كان من ارتكب هذه المخالفة الكبيرة سيخضع للمحاسبة أيضا ، أم سيفلتون بفعلتهم ؟
لقد اعتقدوا أنهم انتصروا وحققوا نصرا مؤزرا بفضحهم منة شلبي ، لكنهم مع الأسف حين استعرضوا صورهم وأسمائهم في سابقة غريبة فقدوا كل الاحترام ، خاصة أن وقائعا كثيرة حدثت من قبل تشبه هذه الواقعة ، لكنهم لم يسلكوا نفس هذا السلوك.
الحقيقة أيضا أننا في حاجة إلي أن نرفع أيدينا عن الفنانين والفنانات ، وألا نبالغ في تسليط الأضواء على حياتهم الخاصة وأن يتمتعوا بحقوقهم كأي مواطن في الخصوصية ، فمن المؤكد أن حياتهم مختلفة طالما لا تمس حياة آخرين ، ولكن أن تستباح حياة فنانينا لمجرد سبق إعلامي وصحفي ، بما يسيء لهم وللمجتمع المصري بأكمله فهذا غير مقبول .
لا يمكن أن تلاحقنا وسائل الإعلام بتفاصيل حياة أناس مهنتهم الإبداع وإسعاد البشر ، ثم تتابع وتلح وتتبع ، ثم إذا ما تعرض أحدهم أو إحداهن لأزمة تتنوع ردود الأفعال بين الشماتة والشفقة والتشفي والرغبة في الانتقام ، ويصبح هؤلاء الفنانين وهم أجمل ما تملكه مصر من ثروات نهبا لأصحاب النفوس الضعيفة ، ومحدثي الحرفية والمهنية في عالم الصحافة والإعلام.