لا أحد يستطيع أن يجزم بما ستأول إليه الأمور فى الحرب الروسية الأوكرانية في ظل التصعيد المتنامى، ودخول أطراف متعددة في الحرب بعد أن بدأت بين دولتين كانتا تحت اتحاد واحد ثم انفصلتا وبينهما خلافات لاعتبارات الأمن القومى للبلدين، لكن المتتبع لما يجرى في أرض المعركة الآن وتعاطى المجتمع الدولى مع هذه الحرب يجد عدة أمور لافتة، أهمها تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في المعادلة بشكل جعلهم طرفا أصيلا في مجريات الصراع، الأمر الذى يؤكد قطعا أن أمريكا تريدها حربا بالوكالة، وتريد أن تضرب 3 عصافير بحجر واحد من أجل استمرار هيمنتها وزعامتها، لذلك فإننا سنعرض جانبا تحليليا لكشف خيوط اللعبة لنفهم ما يجرى؟.. ولماذا؟.. وما ستأول إليه الأمور؟.. خاصة أننا لست بمنأى عن ما يحدث الآن، من خلال كتابة سلسلة مقالات تحت عنوان "العصافير المستهدفة من الحرب الروسية الأوكرانية" نبدأها بمقال اليوم عن العصفور الأول المستهدف من هذه الحرب.
واعتقادنا أن العصفور الأول المستهدف من قبل الولايات المتحدة هو روسيا بعد تصاعد نفوذها فى العالم، وبعد أن وجدت روسيا موطئ قدم لها في البحر المتوسط من خلال التدخل في سوريا وسيطرتها على مجريات الأمور في الصراع السورى، فهل يجرؤ أحد أن يتدخل في الملف السورى دون الوجود الروسى، خلاف تصاعد نفوذ موسكو في أفريقيا والبحث على موطئ قدم في البحر الأحمر، وقبل ذلك كله السيطرة على جزيرة القرم رغم عن أنف الأمريكين، والتغلل الواضح والانصهار مع الأوروبين، والدليل نورد استريم 1 ونورد استريم 2، خلاف أن الروس هم القوة العسكرية الثانية في العالم، ولدى الرئيس بوتين حلم استرداد امبراطورية السوفيت من جديد.
ولا تنسى التقارب الروسي والصينى، المزعج والمقلق للأمريكان، فلك أن تتخيل حجم هذه القلق عندما تتصور أن ثانى قوة عسكرية في العالم "روسيا" وثانى قوة اقتصادية في العالم "الصين" يتقاربان ويصبحان لهما طموحات كبيرة، بل يسعيان على أرض الواقع لتحقيق هذه الطموحات، فنجد تصاعدا للنفوذ الصينى في العالم بعد أن كانوا ينتهجون سياسة الصعود الصامت تتحول تلك السياسة إلى أمر مغاير فيدشنون أول قاعدة عسكرية للصين خارج حدودها وفى منطقة القرن بدولة جيبوتى، وليست قاعدة عسكرية بهدف مواجهة القراصنة وحماية تجاراتهم الدولية فى البحار والميحطات إنما قاعدة أسست أن تستقبل حاملات طائرات، ونجد الروس أيضا لهم مساعٍ حثيثة لإنشاء قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقى.
لذلك.. إن تصاعد الأزمة الأوكرانية خطوة بخطوة حتى اندلع الصراع، ثم تصاعد الصراع الآن وعرقلة أي تفاوض يؤكد نظرية الاستهداف والتحريض، خاصة أن الكل يعلم أن دائما ما تتبع الولايات المتحدة سياسة إطالة أمد الصراع لتحقيق نفوذها وأجندتها، وللحفاظ على هيمنها وسيادتها حتى ولا قامت بـ"سكب الزيت على النار"، وأن كل ما يهما هو "أمريكا أولا" ، وإلى لقاء فى مقالنا القادم الذى نكشف من خلاله العصفور الثانى المستهدف ضربه من خلال توظيف الحرب الروسية الأوكرانية سياسيا وإستراتيجيا..