هناك أشخاص يتربعون على شرفات القلوب بتواضعهم فيجنون ثمار المحبة والراحة النفسية، فلا لا "يتواضع" إلا من كان واثقًا بنفسه ولا يتكبر إلا من كان عالمًا بنقصه، فالنفس البشرية أحيانا تكون معجونة بالكبر والحرص والحسد، فمن سخط الله عليه منعه من التواضع وحرمه من محبة الناس.
من فوائد "التواضع" أن يجعلك تسمو بالروح لأنه تعامل مع المعاني السامية وارتفاع عن عالم المادة، ونفاذ إلى حقائق الأمور حيث توضع الأشياء مواضعها، فهو ليس مظهرًا من السكينة والخنوع وإنما هو سلوك نفسي، يظهر أثره من خلال تصرف الإنسان مع نفسه ومع الآخرين، هي أشياء لا تُباع ولا تُشترى، لا توهب ولا تُستعار، ليس لها علاقة بالغنى والفقر، وإنما هي قيم رصينة تعلو بصاحبها وتجعله بين الناس محبوبا ومحمودا، قانعا بما يفعل مرتاح البال، يجني ثمار المحبة.
مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي وتشعبها، واستحواذها على وقت كبير من يوميات الناس، والانشغال بتوثيق تفاصيل حياتهم اليومية عليها بتكبر وتباهي زائف، حتى بات الغرور سمة البعض، وتأكلت بعض القيم الرائعة، وتلاشى "التواضع" من قلوب البعض، لا سيما بعدما غاب دور الأسرة الحقيقية مع ظهور الاسرة الافتراضية، فلم ينصح الآباء الأبناء بعدم التكبر، والتأكيد عليهم بعد السير فوق الأرض إلا تواضعا، فكم تحتها من قوم هم منك أرفع، فإن كنت في عزٍ وخيرٍ ومنعةٍ فكم مات من قومٍ منك أمنعُ.
إذا، طوبى لمن رزقه الله التواضع، متأسياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان يمرُّ على الصبيان فيُسلم عليهم، وكان يكون في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويجيب دعوة العبد ويخصف نعله ويُرقِّع ثوبه ويحلب الشاة لأهله ويعلف البعير ويأكل مع الخادم ويجالس المساكين، ويمشى مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيءٍ، كان هين المؤنة، لين الخُلق، كريم الطبع جميل المعاشرة، طلق الوجه بساماً متواضعاً، فتواضعوا حتى تعود لمجتمعنا أخلاقه الجميلة.