التصعيد وافتعال الأزمات من جانب بعض النقابات، واستغلال البعض لهذا التصعيد، هو أمر غير مقبول ومرفوض، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بقضية فنية تم الإعلان عنها منذ فترة، ولم يعترض أحد أو يبدى أسباب اعتراضه وتقديم مقترحاته بناء على حوار مجتمعي لأعضاء هذه النقابات مع الحكومة ممثلة في مصلحة الضرائب أو وزارة المالية.
فالأزمة الحالية المتعلقة بتطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية أعلنت الحكومة عنه كإجراء ضريبي تم إقراراه وفقا للقانون رقم 206 لسنة 2020، بهدف تنظيم الإجراءات الضريبية واللوائح المنظمة، من أجل الهدف الأسمى والمصلحة الوطنية وهو حوكمة المجتمع الضريبي في مصر ووضع التقديرات السليمة والحقيقية للحصيلة الضريبية للدولة والدخول الحقيقية للأفراد والشركات المستهدفين من القانون.
وبالتالي نظام الفاتورة الإلكترونية يحقق المصلحة العامة، وهو ما لا يمكن أن يعترض عليه أحد بعد سنوات من العشوائية والفوضى والتحيل والتهرب من أداء الواجب الوطني، وهو نظام معمول به في العالم المتحضر.
ومصر تسعى إلى جمهورية جديدة يؤدي فيها الفرد ما عليه من واجبات ويحصل على ماله من حقوق. بالتالي ليس هناك غرض من تطبيق هذا النظام فهي مجرد مستند رقمي يثبت معاملات الشركات وغيرها من الأشخاص الاعتبارية والطبيعية.
الأمر الأخر الذي غاب عن ذهن المعترضين أن النظام يأتي ضمن الأنظمة الإلكترونية الحديثة لمصلحة الضرائب المصرية في ظل اتجاه الدولة المصرية لتطبيق استراتيجية التحول الرقمي. وهو ما نادى به الجميع طوال السنوات الماضية لسرعة انجاز الخدمات والدقة في تحصيل الحق العام وضبط الأداء المالي في المجتمع وحصر السيولة النقدية في السوق المصري. فهل عندما يطبق ويتعارض مع المصلحة الخاصة والشخصية يتم رفضه..؟
عموما لا بد من توضيح بعض الحقائق عن الفاتورة الفاتورة الإلكترونية حتى يعرف الناس ما هي المشكلة وأين تكمن الأزمة.
الفاترة الإلكترونية ببساطة هي مستند رقمي يثبت معاملات بيع السلع والخدمات .ولهذا المستند مكونات وخصائص، ويتم إعداده والتوقيع عليه إلكترونيًا، وإرساله واستلامه من خلال منظومة الفواتير الإلكترونية وبمعرفة الممول، كما يتم مراجعته والتحقق منه لحظيًا من جانب مصلحة الضرائب.
ونظم الفواتير الإلكترونية يتميز بخصائص عديدة. أول هذه الخصائص هو وجود رقم فريد لكل فاتورة، ويسمى هذا بالرقم التعريفي "يو يو آي دي"، ويختلف عن رقم الفاتورة الداخلي للشركة. أما ثاني هذه الخصائص فهي وجود شكل ومحتوى موحد لكل فاتورة داخل المنظومة مع التأكيد على أن شكل الفاتورة لن يتغير داخل الشركة.
وتتيح الفواتير الإلكترونية أيضا تكويد موحد للسلع والخدمات، وتشمل الفواتير توقيعا إلكترونيا مما يضمن تأمينًا كاملًا لبيانات الفواتير وإثبات الحجية القانونية على مستخدمي المنظومة. وترسل المنظومة إخطارات لحظية لكل من البائع والمشتري لمشاركتهم بيانات الفواتير. كما يمكن أيضا -باستخدام المنظومة- حفظ بيانات الفاتورة واستعراضها وطباعتها.
بالتالي فالمنظومة تعنى إلزام كافة المنشآت الفردية سواء كانت تجارية أو خدمية أو مهنية مثل الأطباء والمهندسين والمحامين وجميع أصحاب المهن الحرة بالتسجيل في المنظومة وإرسال فواتيرهم في حال التعامل مع منشآت مسجلة بالضرائب وهو ما يجعل الجميع مراقب لدى الضرائب.
وكان من المفروض قيام كافة المستهدفين من المنظومة الجديدة التسجيل في موعد أقصاه 15 ديسمبر الجاري وأعلنت مصلحة الضرائب أنه لا توجد أي استثناءات لأي ممول من التسجيل بالمنظومة. وهناك عقوبات سيتم فرضها على كل من لا يسجل في النظام قبل 15 ديسمبر، تتمثل في غرامة تتراوح ما بين 20 ألف و100 ألف جنيه، كما يمكن الإدراج في "القائمة السوداء".
اذا كانت هناك اعتراضات أو وجهات نظر أو اقتراحات بين النقابات المهنية أو الشرائح المستهدفة من النظام ومصلحة الضرائب، فلابد من اجراء حوار مجتمعي بين وزارة المالية ممثلة في مصلحة الضرائب واتحاد النقابات المهنية الفنية للوصول الى حلول عملية وتحقي المصلحة العليا بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية.
وهنا نقدر ما قام به المستشار الدكتور حنفي جبالي ، رئيس مجلس النواب أمس بإحالته مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد الصادر بالقانون رقم 206 لسنة 2020 إلى لجنة مشتركة من لجنة الخطة والموازنة، ومكتبي لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية، والشئون الاقتصادية وذلك لدراسته واعداد تقرير عنه.
وربما يكون مطلوبا مشاركة لجنة تمثل النقابات المهنية والفنية لإبداء الرأي وأسباب الاعتراض وتقديم المقترحات لإرضاء جميع الأطراف بالتوافق دون اغفال الهدف الأسمى وهو المصلحة الوطنية.
بعض الأصوات العاقلة مثل نقابة المهن التمثيلية طلبت من وزير المالية والجهات المعنية بإرجاء العمل بالفاتورة الإلكترونية لحين إجراء حوار موضوعي مع النقابة. وقررت غرفة الغربية التجارية تنظيم دورة تدريبية عن التسجيل في الفاتورة الإلكترونية
وتقدمت نقابة البيطرين ببعض المقترحات والتنبيه على بعض النقاط الخاصة بطبيعة عمل الأطباء البيطريين للوصول الى بعض الحلول التي تضع المهنة وأربابها في نصابها الصحيح حيث أن مهنة الطب البيطري وطبيعة عمل الأطباء البيطريين تختلف عن المهن الأخرى.
الحوار هو المطلوب وليس التصعيد غير المبرر بالمرة الذي يوافق غرض هواة" الصيد في الماء العكر" وأعتقد أن اعمال لغة العقل وتفضيل المصلحة الوطنية هو الذى سينتصر فى النهاية.