نموذج معلم الجمهورية الجديدة

تعد مهنة التدريس من المهن السامية، ومن يمارسها ويؤدي مهامها فهو من أصحاب الرسالة السامية؛ فقد بات تحقيق أهداف العملية التعليمية مرهون بمعلم يمتلك مهارات القرن الحادي والعشرين بصورة وظيفية حقيقية لا تقبل التمييع؛ فبسبب التحديات التي تواجه قطبي العملية التعليمية (معلم _ متعلم)، أضحت البدائل بعيدة المنال واقعاً مفروضاً، ومن هنا تبوأت الأنشطة التعليمية الرقمية مكانتها وأهميتها، مع الأخذ في الاعتبار صعوبة التقليل من شأن الأنشطة التعليمية التقليدية التي تُحدِث آثارًا بالغة في المتعلمين جرّاء التفاعل وجهاً لوجه، وتوفر الخبرة التعليمية في سياقها المتكامل (معرفياً ومهارياً ووجدانياً). وقد أولت الجمهورية الجديدة أهمية بالغة للعملية التعليمية بفضل قيادتها السياسية رصينة الفكر، إيماناً بمسلّمة مؤداها أن التعليم قضية أمن قومي، يتشكل من خلاله الوعي الصحيح تجاه بناء ونهضة الوطن، وفي المقابل نجد أن الرقمنة التي تنادي بها القيادة السياسية، تتوافق مع طبيعة جيل المتعلمين الذي يرتبط بالتقنية في كافة ممارساته الحياتية والعلمية والعملية، والمُتَمَرِّس في المجال التربوي يلاحظ أن فلسفة هذه الرؤية تقوم على أن اكتساب خبرات التعلم في مجالاتها المعرفية والمهارية والوجدانية مرهونة بأداءات المتعلم في مهام الأنشطة التعليمية، التي تنبثق من أهداف التعلم المنشودة في صورتها الإجرائية، ومن ثم يتعين على المعلم أن يتقن المهارات التي ينبغي أن يمارسها عبر البيئات التعليمية الرقمية المتاحة؛ من مقدرة على التهيئة والشرح والإيضاح والتوجيه والإرشاد وتوزيع الأدوار وتقديم التعزيز والتغذية الراجعة، والتقويم المستمر وفق أنماطه المتباينة، ويتناغم ذلك مع فلسفة التدريس الفعّال الذي ننشده في كل وقت وحين. والحق أن الأمر جلل؛ فالواقع يؤكد مدى حرص الجمهورية الجديدة وفق سياستها المعلنة على ضرورة بذل مزيد من الجهود المتواصلة لإصلاح المنظومة التعليمية، استعانة بمعلم يُسهم بقوة في بناء العقول ومن ثم بناء الجمهورية الجديدة، كيف لا ونحن نتحدث عن مستقبل متعلم يعد ثروة الوطن؛ فلا تهاون في إكسابه خبرات التعلم المقررة والمحددة من قبل السياسة التعليمية بمصرنا الحبيبة. وفي هذا المقام ينبغي أن نلقي الظلال على ماهية النشاط التعليمي في صورته العامة؛ لندرك أهميته في خضم مفردات العملية التعليمية؛ حيث يشكل مجموعة المهام التي يخططها المعلم مسبقاً، ويؤديها المتعلمون أثناء تواجدهم بالبيئة التعليمية، وتُقدَّم لهم في صورة فردية كانت أم جماعية، وهذه المهام يتم اشتقاقها من المحتوى التعليمي لموضوع التعلم، وعبر المهام يتحقق أهداف موضوع التعلم الإجرائية المحددة سلفاً، ويتضمن النشاط التعليمي في طياته البعد الزمني، وأدوار المشاركين، والتعليمات والإرشادات المرتبطة بطبيعة المهمة أو المهام التي يمارسها أو يؤديها المتعلم منفرداً أو متعاوناً، كما يشمل النشاط التعليمي آليات التقويم التي تحدد أنماط التعزيز أو التغذية الراجعة، المرتبطة بمهامه، والتوصيف المختصر للمهمة يشير إلى الأداء الذي يقوم به المتعلم لتحقيق الأهداف المنشودة من العملية التعليمية. وجدير بالذكر أن نموذج معلم الجمهورية الجديدة يلاقي حالة الاهتمام البالغ من قبل القيادة السياسية، ومن يمثلها بوزارتي التعليم قبل الجامعي والتعليم الجامعي؛ حيث توفير مسارات التنمية المهنية والأكاديمية والارتقاء بمستوى المهارات التقنية والتمكن من مهارات توظيف البرمجيات والتطبيقات التعليمية، وهذا وفق خطط تنفيذية على أرض الواقع التعليمي وفق سلمه المتعدد، ويواجه المعلم دوماً مزيداً من التحديات التي تشكل صعوبة في تحقيق أهداف العملية التعليمية؛ فقد جاء التحدي واضحاً في ذروة الأوبئة التي اجتاحت العالم أجمع، فجاهدت الدولة لتوفير مقومات استكمال الدراسة عبر المنصات التعليمية الرقمية، اعتماداً على معلم يمتلك مقومات الأداء عبر البيئة الرقمية، فلا مناص من استكمال المسيرة التي تبني العقول. ومن ثم نجد أن امتلاك معلم الجمهورية الجديدة للمهارات الوظيفية الخاصة برقمنة الأنشطة عبر المنصات التعليمية تعد من المقومات المهنية التي تؤهله لرسالته السامية؛ فينبغي عليه مراعاة أسس صياغتها، وخطوات تصميم المهام المرتبطة بها، وخطوات تنفيذها، وتقويمها، ولا ريب فإن خطوات التصميم والتنفيذ لمهام الأنشطة التعليمية الرقمية، واختيار الوسائط التفاعلية التي تقدم بها هذه الأنشطة، وآليات التقويم المرتبطة بأهدافها، تعتمد على معلم يمتلك المهارات النوعية التي تجعله مبتكراً في مجال تخصصه، ويستطيع أن يُكسب المتعلم الخبرات المربية، والتي تسهم في تكوين المواطن الصالح الذي يعد لبنة النهضة والرقي في جمهوريته الجديدة. وهنالك مقومات مهنية منوط بها معلم الجمهورية الجديدة، تسهم قطعاً في تحقيق الغايات التعليمية، منها: مقدرته على إعداد الأنشطة التعليمية في صورة مهام قابلة للقياس والرصد، تتوافق مع طبيعة المتعلمين؛ ليتمكن من تقديم الخبرات التعليمية المراد إكسابها لهم بكل سهولة ويسر عبر المنصات التعليمية الرقمية؛ لأن حجر العثرة يبدو جلياً في: ماذا سيفعل المتعلم منفرداً ومشاركاً عبر المنصات التعليمية الرقمية؟؛ فالأمر لا يتوقف عند حد الشرح أو التلقين عبر المنصات التعليمية الرقمية، وإنما يتركز الاهتمام على آلية ممارسة مهام الأنشطة التعليمية بواسطة المتعلم، وتحت إشراف المعلم المباشر، مع الأخذ في الاعتبار تفعيل التعليم المتزامن والتعليم غير المتزامن عبر المنصات التعليمية الرقمية، كما ينبغي أن يراعي المعلم الفروق الفردية بين المتعلمين، بتوفير أنماط تعليمية تتسم بالتفاعلية، يؤدي المتعلم من خلالها أدواراً ومهام محددة، يمكن ملاحظتها، وقياسها، ومن ثم يمكن البناء عليها والعمل على تطويرها وتحسينها. وفي ضوء ما سبق نودّ الإشارة إلى أن رقمنة الأنشطة التعليمية تؤكد على الممارسات الفعلية التي يؤديها المتعلم عبر المنصات التعليمية، وترتبط بالأهداف الإجرائية التي تم صياغتها، والتي يؤديها المتعلم منفرداً أو بمشاركة زملاؤه، وتحت إشراف المعلم، وفي ضوء طبيعة المهام المرتبطة بتلك الأنشطة، يحدد المعلم مداخل أو استراتيجيات أو طرائق أو أساليب التدريس، وأنماط التقويم، وآلية تنفيذ تلك المهام (فردية _ جماعية)، والتغذية المرتدة، ونمط التعزيز، وبالطبع يعد هذا من المقومات المهنية لمعلم الجمهورية الجديدة. وقد ارتأيت بعض الأسس لصياغة مهام النشاط التعليمي الرقمي، وهي: تحديد النشاط التعليمي الذي يلبي احتياجات المتعلمين ويتفق مع طبيعتهم، واختيار النشاط التعليمي الرقمي الذي يسهم في تحقيق هدف من أهداف موضوع التعلم، وصياغة النشاط التعليمي الرقمي في صورة مهام بسيطة قابلة للتنفيذ من قبل المتعلمين في البيئة الرقمية، ومرونة صياغة المهمة الفردية والتشاركية المرتبطة بالنشاط التعليمي الرقمي؛ حيث إمكانية تنفيذها عبر التقنية الرقمية، أو بالشكل التقليدي (الورقة والقلم) أو الممارسة العملية لها، والتأكد من أن لكل متعلم دوراً واضحاً عند تنفيذ الأنشطة التعليمية بالبيئة التعليمية الرقمية، ومراعاة ارتباط النشاط التعليمي الرقمي عند تصميمه بحياة المتعلمين قدر الإمكان، وأن ترتبط مهام النشاط التعليمي الرقمي بمهارات التفكير العليا، وأهمية وضع تعليمات داخلية واضحة وبسيطة؛ لتنفيذ النشاط التعليمي الرقمي، متضمنة: الهدف منه، والزمن اللازم لتحقيقه، وإجراءات تنفيذه، والعمل على تنويع مهام النشاط التعليمي الرقمي بحيث تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين، وضرورة وضع نشاط تعليمي رقمي بديل، حال إذا لم يُحقق النشاط التعليمي الرقمي الرئيس الهدف منه، وصياغة التعزيزات المناسبة لمهام النشاط التعليمي الرقمي، بما يسهم في تعميق التعلم لدى المتعلمين، والحرص على وضع تغذية راجعة مناسبة لمهام النشاط التعليمي الرقمي، حال صعوبة تحقق الهدف منه، واختيار أساليب التقويم المناسبة لطبيعة مهام النشاط التعليمي الرقمي، وأهمية توزيع مجموعة الأنشطة والمهام الرقمية بحيث تغطي جميع المتعلمين. سدّد الله خطى كل من ساهم ويسهم في بناء عقول جيل يشكل عماد الأمة وحارسها، وبارك الله في جهود كل معلم ومعلمة تعد نموذجاً يُقتدى به وصورة مشرفة في الجمهورية الجديدة، وأعان ربي قيادتها السياسية على أن تتحمل وتثابر لتستكمل مسيرة الصلاح والإصلاح في وطننا الحبيب. بقلم أ.د/ عصام محمد عبد القادر أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة_ جامعة الأزهر



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;