يتردد بين الحين والآخر مصطلح "ولاد الناس"، وربما لا يعرف البعض أصل هذه المقولة، التي يرجع تاريخها لأحد العصور التاريخية القديمة بمصر، عندما كان يأتي الملك بأهل الثقة وأقاربه ومحبيه يجلسون بجواره في قلعة الحكم، يحصلون على العديد من الامتيازات، وما أن يغادر الحكم، يأتي سلطانا أخر فيستبدلهم ـ بطبيعة الحال ـ بآخرين من أقاربه وذويه، وتتبدل الأحوال مع تبدل الأيام.
استمر هذا الوضع لبعض الوقت، حتى جاء سلطانا وقرر عدم إهانة حاشية من سبقوه، بل تخصيص رواتب لهم شهرية من الديوان، أُطلق عليها في دفتر المرتبات "ولاد الناس"، وتكرر هذا الأمر، وكثر عددهم لكثرة عدد السلاطين وتغيرهم.
ومع كثرة عدد "ولاد الناس" وزيارة رواتبهم، بدأ بعض السلاطين يؤخر هذه الرواتب التي باتت عبء على الديوان، حتى جاء أحد السلاطين وقرر نزولهم في الحملات للحصول على رواتب مثل الجنود، وتبدلت أحوالهم، وأصبحوا عندما يكونوا في السلطة ألسنتهم صامتهم وعندما يغادروها يتقمصوا دور الضعفاء، حتى انتهى هذا العصر، وانتقل مصطلح "أولاد الناس" من السلطة إلى مصطلح شعبي يقصدوا هؤلاء الفئة الذين كانت لديهم أموالا ونفوذا وغدر بهم الزمان.
وفي حقيقة الأمر، فإن "أولاد الناس"، لا علاقة لهم بالمال ولا الجاه ولا السلطة، وإنما هم الذين تربوا منذ نعومة أظافرهم على "الأصول" والمحبة والود والرحمة، هم الكبار بأخلاقهم وتواضعهم واحتوائهم لغيرهم.
"أولاد الناس" تجد فيهم "الوَنَس" فهم أشخاص أنقياء محبين للغير، قادرين على تحويل الألم لأمل، والمحنة لمنحة، تجدهم حولك في سلام بالقلب لقلب، وبالروح لروح ، قبل الأيدِ، هم الرائعون بأرواحهم، يتربّعون على شرفات القلب دائماً وأبدا، قادرون على صناعة البهجة في كل مكان بأرواح جميلة ونقية، ينشرون السعادة بين الجميع، بنفوس طيبة وصفية وأرواح جميلة لا يعتريها اليأس ولا تلوح أمامها الضبابية، مشرقة بحضورها، ومتمتعة بجمالها وبهجتها، هذه الأرواح الجميلة الالتفاف حولها هو الحياة، شذاها وجمالها كالزّهر ورقّتها كالمطر معها كل المعاني تُختَصر.
"أولاد الناس"، ينطقون بكلمات عطرة تأتي في أشد الأوقات قسوة لتنير حياتنا، هم المريحون نفسيا، الذين يقفون على شاطئ الرضا، بوجوه بشوشة، وقلوب متسامحة، لا تعرف القسوة، وألسنة عذبة تنطق بأطيب الكلمات.
"أولاد الناس"، أصحاب قلوب سعيدة، ترحم وتلين وتلطف ولا تحقد وترضى بكل حال، تجد قلوبهم مغلفة بالرحمة، فيها الحب والتضحية وانكار الذات، تقودهم للتسامح والعطف والعفو والوفاء والكرم، لا تعرف قلوبهم الكره أو القسوة، فالكُره يرتجف أمام الحب، والحقد يهتز أمام التسامح، والقسوة ترتعش أمام الرقة واللين، يتواضعون فيجنون ثمار المحبة والراحة النفسية، فابحثوا عنهم حولكم وصاحبوهم.