الأم هى الحياة وهى الأرض الطيبة التى تنبت نباتاً طيباً إذا ما تمت رعايتها كما ينبغى وتكريمها بما يليق بها، فقد أمرنا الله بتكريمها فى كافة الأديان السماوية ووصانا عليها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى أحاديثه الشريفة، وكذلك حث على احترامها وعدد أفضالها أحد الحكماء المصريين القدامى (آني) قبل ٣٥٠٠ سنة، هذا بالإضافة إلى بيوت الشعر العريقة التى تحث على الاهتمام بالأم وتبرز قيمتها وأهميتها فى إخراج الأجيال الصالحة،
فقد قال شاعر النيل ( حافظ إبراهيم )
(( الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق ))
ومع ذلك فقد ضربت القوانين المصرية عرض الحائط بكل هذه التوصيات القدسية والنبوية والإنسانية، لتضع الزوجة والأم المصرية فى موضع المُهان الخاضع لتقلبات هوى الأزواج هذا فضلاً عن تقلبات الزمن فى حد ذاته !
لتجد المرأة المصرية نفسها فى حالٍ لا يرضى أحد إذا ما تغير هوى الزوج وقرر استبدالها بأخرى، أوفقدت أسلحة جاذبيتها وجمالها بفعل تقدم العمر، أو لسبب أواخر لا ذنب لها به ولا ناقة لها فيه ولا جمل !
فقد ترددت على مسامعى العديد من القصص المخجلة التى تعرضت لها الكثير من الزوجات والأمهات والتى ترتكز فى غالبيتها على طرد الأم من مسكنها إن لم تكن حاضنة وهذا ما يحدث بالفعل بعد أن يتجاوز الأولاد سن الحضانة !
هذا فيما يخص الزوجة التى لها أولاد، أما التى لم يقدر لها الله الإنجاب فهى فى حال أسوأ وأسوأ، فقد تتعرض المرأة فى سن كبيرة إلى التشريد الذى ربما يودى بأبسط حقوقها فى الحياة من مسكن وملبس ومأكل !
وفى هذه الحالة قد تكون الزوجة التى رزقها الله بأولاد أسعد حالاً إلى حين.
فى حين يقف القانون المصرى مكتوف الأيدى تجاه تلك الحالات التى لا يرضاها الله ولا يرضاها بشر !
وما الذى يمنع أن يتم تشريع قوانين جديدة تضمن للزوجة حياة كريمة بما يرضى الله، حتى فى حالات تقلب الأزواج وجنوحهم إلى بعض النزوات أو حتى قرارات تغيير الحياة برمتها، لا تجد المرأة نفسها خارج الخدمة دون أدنى حقوق تخصها هى فى حد ذاتها كإنسانة غير موقوتة بمدة خدمة قد يعلن الرجل إنهائها فى أى لحظة دون موافقتها وعلى غير رغبتها !
وما دعانى لكتابة هذا المقال، أحدث قصة سمعت بها من إحدى صديقاتى التى لم أكن يوماً أتوقع أن تدور عليها دائرة هوى الزوج الذى يفقد عقله بين لحظة وضحاها !
فقد كانت هذه الأم نموذجاً للأم الصالحة والزوجة المتفانية فى خدمة زوجها والتى وهبت حياتها بأكملها لبيتها وتركت عملها وأضاعت مرحلة شبابها غير مبالية به فى مقابل إسعاد هذا الزوج وهؤلاء الأولاد الذين يعدون نموذجاً صالحاً يشهد لهذه المرأة بحسن الأداء وإحسان التربية !
لن أطيل على حضراتكم: فإذ فجأةً قرر الزوج المحترم تغيير حياته كلياً، فأمر هذه الضحية بترك منزلها الذى أسست كل ركن فيه بجزء من صحتها وحدد لها مدة أسبوع بحد أقصى لترك المكان حتى يتزوج فيه من أخرى !!
وعندما جن جنونها وانهارت قواها وتوسلت اليه أن يتركها مع أولادها ويتزوج فى مكان آخر لا يحمل كل ذكريات حياتهم، رفض وبشدة !
وعندما حاولت أن تعرف ما هو الذنب الذى اقترفته وما هو نوع التقصير الذى أودى بحياتها واستقرارها، كانت الإجابة نموذجاً للقسوة والجبروت وكان الرد أنه قد شعر بملل من الحياة النمطية ويرغب فى قلب نظام حياته رأساً على عقب !!!
هذا النموذج المخزى هو أحد أسباب القوانين المصرية المعيوبة التى تحط من شأن المرأة وتجعل منها جارية أو خادمة دون أجر يعينها على الحياة إذا ما قرر الفرعون المصرى إقصائها واستبدالها بأخرى حسب هواه الشخصى !
ما تعانى منه الأم المصرية من تهميش وضياع للحق وهناك الكثير من الأمثلة التى نسمعها ونراها من حولنا، لا يوجد فى قوانين أى دولة محترمة تحترم مواطنيها وتضمن لهم أدنى حقوق الحياة الكريمة دون تفضيل لجنس على آخر، فالأساس المساواة فى الحقوق وكذلك الواجبات، وهذا ما يضمن ألا يجور طرف على آخر بموجب صلاحياته التى منحها له القانون ليظلم بها الآخر متجاهلاً ضميره الإنسانى إن وُجد وضارباً بكلمات الله ونبيه عرض الحائط !
نهاية: إن أردتم أجيالاً طيبة متسقة نفسياً وبدنياً وتعليمياً، فاحرصوا على تهيئة المناخ الصحى الذى تنشأ به هذه الأجيال، وهذا المناخ لا يتأتى إلا بصلاح التربية، وصلاح التربية لن يتحقق إلا بوجود الأم الصالحة المستقرة المكرمة غير المهانة.
فيا أولى الأمر انتبهوا جيداً لهذا الخطر الذى قد يودى بمستقبل أجيال يتم تشريدها نفسياً على إثر تقلبات الهوى، فلا تجد الأم قانوناً يحميها فتتحمل فوق طاقتها ولا يستند استقرار حياتها وأولادها إلا على رحمة من الله
اللهم بلغت اللهم فاشهد..