مثلما يوجد طعام ملوث وشراب ملوث هناك تلوث بصرى، وآخر سمعى، وكلاهما ضار بالصحة سواء النفسية أو الجسدية، فالأثر السيئ يعود بالسلب دوما ويحفر بالذاكرة فلا يقل أهمية عن رائحة كريهة شممتها فى مكان ما تظل عالقة بالذهن حتى لو نفدت تلك الرائحة، كذلك التلوث البصرى الذى سرعان ما أتى من تحريف فن الجرافيتى والنيل من إبداعه.
دعنى أسألك هل قابلتك إعلانات الدروس الخصوصية على جدران المدارس وأسوار المبانى فى شوارع مصر، أعلم أنك ستجيب بكل ثقة مرددا كلمة "كتير" فإعلانات الدروس فى الشوارع أصبحت آفة تؤرق الحس الإبداعى لما تحمله من تلوث بصرى، ولما يطلق عليه بعض المشوهين اسم جرافيتى، ولكن فن الجرافيتى بعيدا كل البعد عن هذا الهراء والعبث المتقن.
دعنى أقص عليك جماليات الفن الجرافيتى لتتأكد بنفسك أن ما نراه على الجدران من إعلانات ما هو إلا استنزاف للرؤية مؤرق للبصر متعب للنفس، الجرافيتى كلمة ترجع لغويا بجذورها للأصل الإيطالى جيرافيتو، إنما تاريخيا فهى فن استخدمته الحضارة الإنسانية فى التعبير عن الأفكار بالخدش على الجدران، وذلك قبل آلاف السنين، أما فى أواخر الستينات بأوروبا كان له أثر كبير فى الانتشار عندما تم توظيفه فى الاستخدام الأمثل فى ثورة الشباب بفرنسا عام 1986، وبعدها تطور فن الشارع بالتعبير لإظهار جماليات الفن الإبداعي، أما أمريكا فطوروا فن الجرافيتى باستخدام الرسوم التفريغية أو ما يطلق عليه فن الاستنسل، وذلك بالدهان حولها، كى يظهر الرسم بشكل أكثر وضوحا، أما العالم العربى فاستخدامه للجرافيتى جاء بشكل أقل من العالم الغربى، وفى مصر انتشر الفن خلال المعارض واحتفالات إحياء الذكرى التاريخة لنصر أكتوبر وأعياد المحافظات وإبداعات فنية لبعض الفنانيين وتعبيرات أولاد القرى بعد مباريات محمد صلاح، كنوع من الإبداع أو إثبات هوية الفن.
أما الاستخدام السيئ للنيل من فن الجرافيتى فظهر فى الأونة الأخيرة وتزامنا مع الأيام الأولى لانتظام العام الدراسى الجديد على جدران المدارس بإعلانات الدروس الخصوصية ممزوجة بلوحة لملامح المدرس وشكل تعبيرى لمادة الفيزياء وآخر للكيمياء ناهيك عن ما تخلفه أشباه اللوحات من التلوث البصرى الذى قد يصيب المشاهد بتشويه الجدران.
والسؤال: ماذا لو قامت الأحياء المعنية بمراقبة مثل ذلك العبث والتشوه وتشويه الهوية؟ ماذا لو كان الإعلان عن الدروس الخصوصية تحت رعاية شركات إعلانات بشكل يسر الناظرين كى لا نظلم فن الجرافيتى والفنانين؟