الموت حق، وجميعنا سالكون طريقه، وسائرون إليه، فلا حيلة لنا فيه ولا جدوى من محاولات الفرار منه، ومع ذلك نحزن كلما فارقنا الأحباب، وأهل القيمة والفائدة، هؤلاء الذين كانوا ينفعون الناس، ومنهم الراحل الكبير الدكتور صلاح فضل.
لنا أن نحزن على فراق الدكتور صلاح فضل، لأنه أحد الكبار الذين تأسسوا على العلم وأصوله، وتطوروا على المعرفة وجديدها، وظلوا يمارسون فعلي التعلم والتعليم مدى حياتهم.
لنا أن نحزن على صلاح فضل لأنه آمن بأن الأدب والبلاغة والنقد من السبل الحقيقية للشعور بالجمال، والحياة بلا جمال، وبلا معرفة أصول هذا الجمال وأسسه، لا أقول تنتهي، لكنه حتمًا سوف ينقصها الكثير .
كما أن النقد أيضًا يرتبط بالمنطق، والمنطق هو السبيل للتفكير العلمى السليم، وحياتنا تحتاج إلى تفكير علمي كي يضبط زواياها ويحدد أهدافها ويدفعنا إلى "المعنى" ونحن جميعًا فى حاجة إلى "المعنى".
لقد أنتج صلاح فضل العديد من الكتب، منها ما نعده الآن عمدة في النقد، كما حافظ على الكتابة في الصحف والمجلات، والمشاركة في المؤتمرات والمجالس العلمية، وشغل العديد من المناصب، ومن الجيد أن هذه المناصب لم تمنعه عن الإنتاج أبدًا، وفى ذلك قيمة عظيمة لمن انتبه وتعلم.
كما استطاع صلاح فضل أن يتواصل مع الأجيال جميعًا، لأنه يؤمن بأن الحياة تتحرك للأمام، وأن الأجيال الجديدة فيها النفع أيضًا، كما كانت لديه رؤية صائبة في معرفة بذور الخير في الناس في الكتاب والمبدعين والنقاد، وكم من مبدع حقيقي أشار إلى أنه في البداية التقى صلاح فضل فشجعه وأخذ بيده حتى لو بكلمة طيبة "كمل كتابة".
ومع كل ذلك لم تكن حياة صلاح فضل سهلة، بل عرفت المعاناة طريقها إليه، فأصابته في أغلى ما يملك الأب، ومع ذلك ظل قادرًا على العمل والتواصل مع الناس والرغبة العارمة في الإنتاج.
لنا أن نحزن على صلاح فضل لأنه لم ييأس أبدًا مما يفعله، وفى ذلك درس عظيم لنا.