مع غياب شمس أمس السبت، العاشر من ديسمبر، دقت عقارب الساعة ملعنة الذكرى الأولى لوفاة الفنان الصديق إيهاب النوبى، الصحفى الموهوب الذى بعثر ورد شبابه فوق لوحاته ليسعد القارىء ويخفف آلامه، رحل إيهاب النوبى فى عمر 33 عامًا، وذلك بعد وعكة صحية طارئة، تاركا خلفه وجع الألم لكل محبيه ولوحاته التى تحمل سر السعادة بين رتوشها.
انحاز النوبى إلى القارئ البسيط كى يعبر عن مشاعره ويرسم البهجة على جبينه من خلال ألوانه، وبموته فقد فن الكاريكاتير الساخر أحد أهم المجددين، فالقارئ كان يقف مبهورا أمام لوحاته، متسائلا ما هذا السحر الذى تفوح رائحته من ريشة فنان مبدع يستطيع أن يهديك بسمة أمل تشى من الصورة وكأنها سر السعادة اليومية.
كانت للوحاته طبيعة خاصة، كأنه يشرح الــ 1000 كلمة فى صورة كاريكاتورية بسيطة، فتناول أزمة تفشى فيورس كورونا برسومات ساحرة وكأنه يسخر من الفيروس اللعين، ولوحة طريفة بعنوان إجراءات كورونا الاحترازية تثير غيرة السيدات، وتحدى الصيف وارتفاع درجات الحرارة بصورة لمواطن يحمل الدش فى الشارع، وفى مجال الرياضة صور أبطال مصر فى أولمبياد طوكيو، ورسم نجم الأرجنتين ميسى وهو يخلع عباءة برشلونة، ورسم فرحة الأزواج بتساقط الأمطار كأنها هروب من مصاريف المصيف، ومن أشهر أعماله لوحة بعنوان احجز الترند، واطلع الترند منين والزواج بالصدقات، أما لوحاته الإنسانية التى أثرت فى الوجدان فكان منها واحدة بعنوان دلال وسمير دايما فى القلب، أما أشهر أعماله فى إنجازات الدولة فقد عالج قضية التخلص من العشوائيات واحتفالات طريق الكباش.
ينبغى أن نلفت الانتباه أن فن الكاريكاتير يعود إلى العصور الفرعونية وليس ابنا شرعيا للحضارة الحديثة فحسب، حيث وجد على جدران المعابد رسومًا كاريكاتيرية تعتمد على أسلوب النقد الساخر من الأوضاع السياسية والاجتماعية فى حياة المصريين القدماء، حقيقة أن فن الكاريكاتير فرض نفسه بحضوره الطاغى منذ بداية فن الكاريكاتير الصريح فى مصر فى العصر الحديث على أيدى الفنان محمد عبد المنعم رخا، الذى ابتكر عدداً من الشخصيات التى نالت شهرة كبيرة مثل "رفيعة هانم، قرفان بيه، قصبى افندي، سكران باشا طينة، ابن البلد، غنى حرب، بنت البلد، ميمى بيه" برسوم ساخرة جسدت الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر منذ عام 1927 وحتى عام 1986 ومن هنا فرض الكاريكاتير نفسه على الورق وكون عائلته من الرسامين الذين أسسوا وطورا الفن الراقى مثل أحمد طوغان، وصلاح جاهين ومصطفى حسين، وأظن وليس كل الظن إثما أن إيهاب النوبي، كان امتدادا لتلك المدارس، وردة يانعة فى بستان فن الكاريكاتير خطفها القدر فذبلت وتركت الأثر.
المدهش أن لوحاته اتخذت أوضاعا حالمة تستسلم لفرشاته، فنراه صريحا فى لوحاته، جريئا فى معظم رسوماته، نبيلا شاردا فى لحظة حزن أحيانا، مبتسما مسرورا مفعما بالأمل معظم أوقاته، متخذا من اسمه نصيبا، طيبا معجونا بمياه النيل، منبع الطيبة والأصل، والبسمة والأمل، فضلا من أنه يرتدى أزياء أقرب إلى لوحات فنية متناسقة التفاصيل، ذات ألوان مبهجة دائما. فالفن لايتجزأ عن حياة المدع.
تكمن عبقرية إيهاب النوبى الفنية، فى اعتماده على لوحاته منذ أعماله الكاريكاتيرية الأولى أو لوحاته فى بداية مشواره متخذا اسم مستقل " إيهاب النوبي" عرفت إيهاب صحفيا رسام كاريكاتير بانفراد، قريبا لقلوب كل زملائه، فكان لى نصيب الاقتراب منه لبشاشة وجهه وابتسامته المرسومة على جبينه دائما فما من مرة من لقائنا بين أروقة صالة التحرير إلا وأسمع رجاء الزملاء له: ممكن ترسمنى لو سمحت فيجيبهم بكل حب حاضر....
وفى أحد جلساتى مع رموز الفن التشكيلى بالأوبرا تردد اسم إيهاب رسام الكاريكاتير ابن الفنان التشكيلى الكبيرموفور الصيت أحمد عبد الجواد، فكانت المعلومة بمثابة اندهاش، كيف لصحفى فى مقتبل عمره يتنقل بين الجرائد والمجلات يبحث عن فرصة للتعين لدخول نقابة الصحفيين من أبوابها، ويقدم لوحاته المكلف بها فتنشر مره وترفض مرة، كيف كل هذا وهو ابن لأحد أهم رموز الفن فى مصر، فكان سؤالى لإيهاب على درجات سلم انفراد كيف لصحفى مثلك ابن أحد أهم الشخصيات الفنية لا يقترن اسمه بأبيه فى توقيع لوحاته أو حتى اسمه الصحفى فأجاب بكل أدب ودماثة أسعى لكى تكون لى مدرسة مستقلة فمنذ صغرى وأنا أشارك فى المعارض بلوحات موقعه باسم إيهاب النوبى، ولا أستغل اسم والدى للوصل إلى مبتغاى، فعرفت وقتها أن لوحاته سر سعادته أيضا مثلما تسعد القارئ تماما فالقوة والابتسامة والأمل سر السعادة.
ومثل هذه الورود التى قطفت مبكرا لها نصيب من الاهتمام من خلال لوحات مشرقة تصيب المشاهد بالنشوة والحبور، عاش النوبى ومات دون تكريم لائق أو الالتفات لموهبته المتقدة..ابحث عن كاريكاتير إيهاب النوبى وتأمل الرسم واستشعر البسمة فستكتشف مفاتيح السعادة بسهولة.. وادعوا الله أن يرحمة مثلما رسم البسمة على الوجوه واسعد البسطاء بفنه