الحياة لا تخلو من الهموم والأحزان، ولكى يخرج الإنسان من ضغوطها لا بد من وجود من يشكو له همومه وأحزانه، والمسلم إنما يشكو همه وحزنه إلى الله تعالى، وأفضل وقت لذلك عندما يخلو به فى الصلاة، حيث نطلب منه سبحانه بالاً مستريحا وعقلاً منيرا وقلباً يملأه حب الخير، ولم أستطع الوصول لهذه المشاعر بالقدر الذى أحتاجه حتى أهدانى الله سبحانه وتعالى زيارة لبيته الحرام، هذه الزيارة التى لم أكن يوماً أفكر فيها بشكل فعلى، فكانت أمنية عابرة لا تلح على بالى ولا تأتى على خاطرى، وما إن وطأت قدماى الأرض الطاهرة حتى شعرت أن أياماً قاسية مرت علىّ دون معرفة أن الحل هو اللجوء إلى الله.
لم تقتصر الزيارة على المناسك وحلاوتها التى كنت أجهلها، ولكن بريقها لمس قلبى بشكل كبير، حيث الهدوء والراحة مع كل خطوة تخطوها هناك، حتى ولو كنت تشعر أن أمورك خارجة عن السيطرة ومليئة بالاضطراب والتذبذب، فيحدث ما كنت تبحث عنه من ترتيب عقلى وهدوء نفسى فورى ودون أى مقدمات، لم أكن أعلم أن زعزعة سلام القلب ليس لها علاج غير التقرب من الله، لم أكن أعلم أن اختباراته الصعبة فى حياتنا ليست سوى مؤشر لعودتنا إليه ولو بنصف قلب أو حتى لمجرد أداء نسك مليئة بالشعائر والمشاعر التى تجعل كل شخص يولد من جديد بقلب نقى، يحاول السير فى هذه الحياة بسلام دون الدخول فى حروب مجدداً.
بعد مرور وقت قليل من الزيارة، علمت أننا بحاجة إلى الله، ومعرفة حقيقته وحبه لنا وحاجته لأن نكون عباداً صالحين لتهدئة قلوبنا وأرواحنا، فعندما نجد أنفسنا مستيقظين فى منتصف الليل بخوف وقلق فذكر الله يعمل على راحتنا، معرفة أن كل مُر يتبعه حلاوة افتكار الله لنا وأن كل عقبة بعدها رحمة منه لا يعلم حكمتها غيره وتثبتها لنا الأيام، فإن احتياجاتنا واهتماماتنا الملحة يمكن أن تشعرنا بالتعب والإرهاق، فنحن بحاجة إلى أن نتذكر حب الله المستمر لنا، والشفاء من المتاعب بقربه ونعمه علينا التى لا تحصى، نطلب قوته الجبارة لتطويقنا وحمياتنا من أى شر، والنفس التى قد تدفعنا للحزن.
فشكراً وحمداً لله الذى يحررنا من متاعبنا مهما بعدت المسافات بيننا وبينه، وعلى الفرص التى يضعها الله لنا للعودة إليه مرة أخرى، ولأن رحمته أكبر من أى شىء نواجهه فى هذه الحياة، فنضع أعباءنا أمامه وثقل ظهرنا على عتباته حتى يخلصنا منه بسكينة وراحة لم ولن نتخيلها.