هو الخجل ولا شىء غيره، ذلك ما يجب أن نشعر به إزاء هذه الأحداث الإرهابية التى أصبحت معتادة فى بلد من أجمل بلاد العالم وأكثرها سماحة ورقيا.
نيس، ومن قبلها باريس، ومن قبلها شارل إيبدو، وبينها وقبلها وبعدها أسماء كثر، أصبحت بفعل الإرهاب الخسيس أماكن تأبين وليست أسماء لمدن أو مواقع، اكتست الخارطة الفرنسية بلون الدماء الأحمر، وكانت من قبل مكسوة بالأنوار البراقة، لا تعرف أية فطرة تلك التى تجعل الواحد على هذه الخسة ليرهب فرنسا بالدماء والنار، ويحول شعبها من أحد أرق وأجمل شعوب العالم إلى مصب للكراهية المحمولة على الأحزمة الناسفة، وماذا ننتظر من شعب فتح بلده للعرب ومتعهم بكل الحقوق حتى أصبحوا أكبر جالية فى أوربا، ثم بعد هذا ذاق الويل والدمار والخراب من هؤلاء الضيوف الأنذال؟
فرنسا.. تلك الدولة التى خلقت لتنشر الجمال فى الكون، والتى لم تتنازل عن جمالها يوما حتى وهى تحمل النيران والبارود، كل دول العالم الاستعمارية حرصت بل ودأبت على تجهيل الشعوب التى تحتل أراضيها إلا فرنسا، لم تضع قدمها يوما فى بلد إلا وحملت معها شعلة التنوير، بل ومن العجيب فى أمر هذا البلد أن علماءها ومثقفيها هم الذين حملوا شعلة الاستقلال فى البلدان المحتلة، ليتحولوا إلى ضمائر العالم الحية، وليعلنوا للعالم أنهم شرف فرنسا الحقيقى كما فعل الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر وأصدقاؤه العظماء الذين وقعوا على البيان الشهير تاريخيا باسم (بيان 121) الذى وقعه 121 مثقفا وفنانا فرنسيا كان على رأسهم «سارتر» ومن ضمنهم سيمون دى بوفوار والممثلة الشهيرة سيمون سينيوريه، ومارجريت دوراس وكلود سيمون الحائز فى ما بعد جائزة نوبل للآداب، والناقد المرموق موريس بلانشو، ليثبتوا دائما أن فرنسا دولة حقيقية، دولة لها ضمير، دولة لها عقل ووعى، دولة لها رسالة تنويرية لا تخجل من إعلانها حتى لو أدى هذا إلى خسارة وقتية عابرة.
وإذا فرنسا سئلت، بأى ذنب ذاقت الإرهاب والتفجيرات، فلن يستطيع هؤلاء الإرهابيون أن يجيبوا؟ وكيف يجيبون وهم الملطخون بكل عار والموصومون بكل خزى، والملعونون بكل اللغات؟ كيف يجيبون وهم الملوثون بدماء الأبرياء، والموصوفون بأنهم تجار الدم وحلفاء الشيطان؟ وللأسف فقد مسنا الآن عار كبير جراء تلك الأفعال المخزية، فلا سبيل هنا للتنطع بالقول إن هؤلاء الأشرار لا ينتمون إلى العروبة أو الإسلام، فقد أصبحت تلك الادعاءات ممجوجة مستكرهة، وعلينا الآن أن نعلن للعالم أسفنا واعتذارنا عن هذا الخراب، وعلينا أيضا أن نصيح مثلما صاح جان بول سارتر فى الستينيات قائلا: «عارنا الآن فى الجزائر» بأن نقول «عارنا الآن فى فرنسا» وعلى العالم كله أن يعرف أنه ليس بالقتل وحده يموت الإرهاب، بل بالعلم والثقافة والفكر والفن، فليس الإرهاب سوى فكرة تحولت مع الأيام إلى فعل بشع، ولا أجد سبيلا لمقاومته سوى بفكرة أيضا تتحول مع الأيام إلى فعل جميل، فهل نحن مستعدون؟