ذكرنا فى مقال سابق أن القمة الأمريكية الأفريقية الثانية تأتي بعد انقطاع 8 سنوات، حيث كانت القمة الأولى فى عهد أوباما 2014، وأن الهدف الأول والمعلن لهذه القمة هو تنشيط العلاقات الأمريكية مع الأفارقة، بهدف التعاون والتشارك من جهة، ووقف خطر النفوذ الصينى الروسى في القارة لحماية الهيمنة والسيادة الأمريكية من جهة أخرى.
لكن ماذا ستقدم الولايات المتحدة للقارة بعد أن ذهب إليها 49 قائدا أفريقيا؟ وما هى الأهداف والمكاسب التى من الممكن أن تتحقق؟.. اعتقادى أن أهم المكاسب، هو التأكيد على وجود تنافس دولى، وهو ما يمنح القارة السمراء فرصا للاستفادة أكبر وأعظم فى ظل هذا الاهتمام العالمي الكبير.
نعم هذا الاهتمام لم يأت بالطبع من فراغ، إنما لتمتع القارة الأفريقية بثروة كبيرة من الموارد البشرية والطبيعية والنفطية الهائلة، خلاف اضطراب النظام العالمى الحالى بعد جائحة كورونا وبعد الحرب الروسية الأوكرانية وظهور هذا النظام فى صورته الحقيقية، حيث الأنانية وازدواج المعايير.، وإدراك العالم النامى ضرورة تنوع المصالح وعدم الاعتماد على القطب الواحد، فرأينا قمة عربية خليجية صينية، وتحرك صينى وروسي في أفريقيا، لتصبح الصين هي أول دائن عالمي للدول النامية وتستثمر بمبالغ طائلة في القارة الإفريقية، فيما تعزز روسيا وجودها في القارة من خلال علاقات وثيقة مع بعض البلدان، وأصبحت متحكمة في القرار السياسى وملف الصراع في كثير من البلدان الأفريقية، وهذا هو ما دفع الولايات المتحدة للتحرك، لحماية استمرار هيمنتها وزعامتها على العالم سياسيا واستراتيجيا.
والأهم من المكاسب الاقتصادية، أن هناك اتجاها قويا لإعادة تشكيل وتنظيم النظام العالمى فى ظل إلحاح شديد بضرورة حدوث إصلاحات فى المؤسسات والمنظمات الدولية خاصة فى منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
لذلك فإن ما تراهن عليه الولايات المتحدة فى هذه القمة هو بحث مع القادة الأفارقة بأن يكون هناك مقعد دائم لإفريقيا بمجلس الأمن دون التمتع بحق الفيتو، وكذلك تمثيل الاتحاد الإفريقي في "مجموعة العشرين" ، وحتى إن كان هذا ردا على ما تسعى إليه الصين لفعله من خلال ضم دول فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية إلى بنك بريكس وتمثيل الاتحاد الأفريقى فى مجموعة بريكس، إلا أن هذا الاتجاه وتلك العرض بمثابة فرصة مهمة يجب على القادة الأفارقة الاستفادة منه جيدا.
وأخيرا.. إن كل ما يحدث الآن من تنافس عالمى على القارة السمراء هو فى مصلحتها، لكن يتوقف على قدرة القادة على اغتنام هذه الفرصة جيدا، وأن يكون هدفهم أكبر وأعظم بأن لا يكون شغلهم الشاغل الخروج بحجم مساعدات مالية وقروض بقدر تحقيق قدر من التشاركية والتعاون المتبادل وضمان المشاركة فى النظام العالمى الجديد ليكون لها صوت حاسم يدافع عنها وعن مصالحها.