يعرف القاصى والدانى أن مصر تقف سندا ودعما لجهود الحكومة العراقية، نحو تقوية الدولة الوطنية ومؤسساتها بما يمكنها من الاضطلاع بمهامها فى صون أمن واستقرار العراق وحماية مقدرات شعبه ووحدة أراضيه، وترفض مصر كافة التدخلات الخارجية فى شئون العراق والاعتداءات غير الشرعية على أراضيه وتدعو مختلف القوى الإقليمية (إيران - تركيا) لاحترام سيادة هذا البلد العريق وخيارات شعبه، فمن مصلحة جميع الدول العرابية والإقليمية أن يقوم العراق بالدور المنوط به عربيا وإقليميا، وتدعو مصر لتجديد الدعم والالتزام بالمبادئ الثابتة فى العلاقات الدولية والتى لا خلاف عليها وهى حسن الجوار، وعدم الاعتداء، والاحترام المتبادل لسيادة الدول والتى من ضمنها الحفاظ على سيادة العراق.
ويبدو نهج مصر واضحا فى قضية الامتناع غير المشروط عن التدخل فى شئون العراق الداخلية والتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية أو المادية فضلا عن عدم توفير ملاذات آمنة، أو أى شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دول إلى أخرى، ومن هنا تسعى مصر لتقديم الدعم الكامل للشعب العراقى على مختلف الأصعدة، وتعمل على إقامة شراكة استراتيجية بين العراق ومصر تعتمد على التكامل وتحقيق الأهداف التنموية المشتركة، كما تسعى القيادة السياسية المصرية للإسراع فى عملية تنفيذ المشروعات المشتركة بين مصر والعراق، بحيث تتواكب الإنجازات الاقتصادية مع نظيرتها السياسية بين الجانبين.
وفى إطار ذات الهدف جاءت مشاركة مصر القوية فى (قمة بغداد 2) فى وقت حرج تمر بها منطقتنا فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، ومتعرض له الأردن الشقيق من فتنة بيد ثلة منحرفة، ومحاولة زعزعة أمن هذا البلد الشقيق جاءت هذه القمة لتؤكد على قوة ومتانة الجبهة الداخلية الأردنية، ولتؤكد أيضا التفاف العرب حول هذا البلد وملكه وقيادته، ولتؤكد (قمة بغداد 2) أن العمل العربى المشترك لازال طريقنا لمواجهة التحديات التى تمر بها أمتنا وشعوبنا.
ولعل كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال مشاركته فى أعمال الدورة الثانية لمؤتمر (بغداد للتعاون والشراكة) أكدت على دور مصر المحورى والداعم للدول العربية الشقيقة لتحقيق الاستقرار والتنمية بمنطقة الشرق الأوسط، وأن القمة تهدف إلى تدعيم الشراكة والتعاون مع العراق لعودتها مرة أخرى سياسيا واقتصاديا واستعادة دورها العربى والإقليمي، وأكد السيسى على أن انعقاد القمة يحمل معه دلالة سياسية هامة على اعتزامنا مواصلة توفير كافة سبل الدعم للعراق الشقيق، ورغبة صادقة فى الانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة من خلال تعزيز العمل فى أطر التعاون الثنائي، أو المتعدد كآلية التعاون الثلاثى بين مصر والعراق والأردن، أو غيرها.
وأشار الرئيس السيسى إلى اعتزام مصر المضى قدما، فى تنفيذ المشروعات المشتركة الجارى دراستها حاليا فى إطار الآلية وبما يسهم فى تحقيق التنمية المأمولة لشعوبنا ويتيح المجال لهم، للاستفادة المتبادلة من قدرات بعضها، وقد أشاد السيسى فى كلمته بالمشروعات التى أطلقتها الحكومة العراقية نحو إعادة الإعمار وتمهيد الطريق لتحقيق نهضة تنموية شاملة من خلال التوظيف الأمثل لإمكانات وقدرات وموارد البلاد، وأكد دعم مصر الكامل لكل الجهود التى تعمل على ترسيخ مفهوم الوطن الآمن، والمستقر، وأن متطلبات تحقيق الاستقرار، تبدأ بتعزيز دور الدولة الوطنية الجامعة، وتمكين مؤسساتها من الاطلاع بمهامها فى حفظ الأمن وإعلاء سيادة القانون، والتصدى للقوات الخارجة عنه وصون مقدرات الشعوب، ما سيوفر المناح المناسب لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية المستدامة وترسيخ دعائم الحكم الرشيد.
تناولت كلمة الرئيس السيسى دور الأزمات المتعاقبة التى شهدتها العديد من دول المنطقة على مدار العقود الماضية فى عدم تحقيق الاستقرار، وأن الاستقرار الكامل له متطلبات لا غنى عنها، تبدأ بتعزيز دور الدولة الوطنية الجامعة، وتمكين مؤسساتها من القيام بمهامها فى حفظ الأمن وإعلاء سيادة القانون، والتصدى للقوات الخارجة عنه وصون مقدرات الشعوب، ما سيوفر المناح المناسب لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية المستدامة، وكذلك تأكيد الرئيس على مواجهة التحديات المرتبطة بالأزمات الدولية، وما يتبعها من تحديات عابرة للحدود فى مجالات الصحة والأمن الغذائى والطاقة وسلاسل الإمداد وغيرها، ما يضمن تحقيق مصالح الشعب العربي.
وأوضح الرئيس السيسى، أن اجتماعنا القمة يأتى ونحن نشهد تحسنا ملموسا فى الأوضاع بالعراق وأغتنم هذه المناسبة كى يتقدم بخالص التهنئة إلى دولة رئيس الوزراء العراقى (محمد شياع السوداني)، وللشعب العراقى العزيز، على استكمال مراحل الاستحقاق الدستورية وبما يفتح المجال للانطلاق نحو المستقبل، وشدد على أن انعقاد (قمة بغداد 2)، يحمل معه دلالة سياسية مهمة، على اعتزامنا مواصلة توفير كافة سبل الدعم للعراق الشقيق ورغبة صادقة فى الانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة من خلال تعزيز العمل فى أطر التعاون الثنائى، أو المتعدد، كآلية التعاون الثلاثى بين مصر والعراق والأردن، أو غيرها.
وتابع الرئيس السيسى: (يمثل اجتماعنا فرصة لتبادل وجهات النظر، واستكشاف آفاق جديدة، للتنسيق والتعاون بين بلادنا والعراق، دعما لمسيرته نحو الاستقرار وبما يعزز قدراتنا فى مواجهة التحديات المرتبطة بالأزمات الدولية وما يستتبعها من تحديات عابرة للحدود فى مجالات؛ الصحة، وأمن الغذاء، والطاقة، وسلاسل الإمداد وغيرها، وبما يحقق مصالح شعوبنا، ونوه الرئيس إلى أن انعقاد قمتنا اليوم يأتى لتجديد الالتزام بالمبادئ الثابتة فى العلاقات الدولية والتى ينص عليها روح ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده وفى مقدمتها حسن الجوار، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وعدم الاعتداء والاحترام المتبادل لسيادة الدول، والتوقف عن فرض سياسة الأمر الواقع، وأهمية العمل على تحقيق المنفعة المشتركة.
وأضاف الرئيس السيسى فى كلمته أنه فى إطار من المصارحة، فإن هذه الأهداف لن تتحقق ما لم يتم إعلاء ثقافة الاعتدال والتسامح وقبول الآخر وبما يضمن التمتع بالحق فى حرية الدين والمعتقد وتجاوز مفاهيم الطائفية، والتشدد والانقسام، والأفكار الرجعية التى لا مكان لها فى عصرنا الراهن فالعالم يتسع للجميع والاختلاف لا يمكن التعاطى معه، بالاستمرار فى صراعات ممتدة لا غالب فيها، ولا مغلوب.
مما سبق يتضح لنا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، يدرك ثقل العلاقات التاريخية بين العاصمتين العربيتين على مدار التاريخ العربى (القاهرة وبغداد)، ويدرك أيضا أن قوة بغداد إضافة إلى قوة القاهرة، وقوة القاهرة إضافة إلى كل العرب، وربما ذلك كان أحد الأسباب التى جعلت الرئيس السيسى حريصا على زيارة العاصمة العراقية بغداد فى إطار جولاته الخارجية، وكانت زيارته فى 27 يونيو العام 2021 بمثابة أول زيارة لرئيس مصرى للعراق منذ 30 عاما، والتى جاءت انعكاسا لقوة العلاقات التاريخية الممتدة بين مصر والعراق حكومة وشعبا تلتها زيارة أخرى مهمة فى (قمة بغداد 1)، وخاطب الرئيس السيسى فى حينها شعب العراق بكل طوائفه مؤكدا حرص مصر على هذا الشعب الكبير.
إن الموقف المصرى تجاه دولة العراق يظل ثابتا على الدوام ولم يتغير، فهو موقف داعم لمساعدة بغداد للخروج من فخ الانقسامات السياسية والتجاذبات الإقليمية، والوقوف مرة أخرى لبناء الدولة العراقية، وتثبيت أركانها ومن ثم المضى قدما نحو البناء والتنمية، ومن هنا كانت وصية الرئيس السيسى للشعب العراقى فى قمة العام الماضي، حين قال: حديثى إليكم اليوم وندائى حافظوا على بلدكم، ابنوا وعمروا وتعاونوا، وشاركوا، ابنوا مستقبلكم ومستقبل أبنائكم، عمروا مدنكم ومزارعكم ومصانعكم، وتعانوا من أجل المستقبل، شاركوا فى الانتخابات، الانتخابات مسئولية عظيمة فى بناء مستقبل الدول.
ونظرا لأن الدولة العراقية عانت من الإرهاب وقدم الشعب العراقى ممثلا فى القوات الأمنية والعسكرية تضحيات كبيرة بمساعدة التحالف الدولى ودعم الدول الشقيقة والصديقة حتى تحقق الانتصار على الجماعات الإرهابية، إلا أن العراق بحاجة إلى الدعم المستمر للارتقاء بالقدرات العسكرية والأمنية بالشكل الذى يساهم فى تعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة، بالإضافة لدعم عملية الإصلاح الاقتصادى التى تعمل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السودانى على تفعيلها، وتشجيع الاستثمار فى مختلف القطاعات بما يعود بالنفع على الجميع ويخلق بيئة اقتصادية مناسبة ويعزز عملية التنمية المستدامة وخلق فرص عمل.
تحتاج جمهورية العراق إلى دعم جهود الحكومة فى عملية إعادة إعمار المدن المدمرة وتوفير الخدمات ودعم البنى التحتية وتعزيز دور القطاع الخاص، وكذلك جهودها فى التعامل مع ملف النازحين وضمان العودة الطوعية الكريمة إلى مناطقهم بعد طى صفحة الإرهاب، بالإضافة لتعزيز الجهود مع العراق للتعامل مع التحديات الناجمة عن التغيير المناخى والاحتباس الحرارى وفق الاتفاقات الدولية ذات الصلة.
لذا فقد كانت كلمة الرئيس السيسى فى (قمة بغداد) تحمل فى طياتها تخوفات نجاح المخططات الشيطانية التى لعبت على تقسيم المنطقة العربية والتى كان بداية محاولاتها باتفاقية (سايكس بيكو 1916) لاقتسام منطقة الهلال الخصيب، ومن بعدها هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى التى أعقبها تقسيم كل الدول التى كانت تحتلها بين دول الحلفاء، وبعد ما يقرب من 9 عقود ظهر مصطلح جديد فى منتصف الألفينيات ألا وهو (الشرق الأوسط الجديد) برعاية (كوندليزا رايز) وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، والتى سعت من خلال هذا المشروع لتقسيم الدول العربية، إلا أن مصر استطاعت رصد هذا المخطط مبكرا والتنبه له والتعامل معه وهو ما عاد على الدولة المصرية بالاستقرار لتتفادى الوقوع فى فخ التقسيم، وهذا ما يخشاه الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي، على العراق وشعبه.
ومن أجل ذلك وجه الرئيس السيسى فى ختام كلمته بالقمة، حديثه إلى شعب العراق الشقيق، قائلا: (يا شعب بلاد الرافدين العظيم إننى على ثقة تامة، فى قدرتكم على المضى قدما صوب مستقبل أكثر ازدهارا متسقا مع حضارتكم العريقة، التى أسهمت فى تشكيل تاريخ الإنسانية وكلى يقين، أن ما تتسمون به من تعددية، وما تمتلكونه من إمكانيات، سيتيح لكم تجاوز أى تحديات مهما بلغت، لقد حققتم الكثير فى سبيل استعادة بلادكم وعليكم استكمال إنجازاتكم، على طريق البناء والتنمية والتطوير وستجدون فى مصر دائما عونا لكم، وسندا لتطلعاتكم وخياراتكم ليبقى العراق دائما، إحدى قلاع العروبة، ومن أهم مراكز الحضارة فى العالمين العربى والإسلامى.
ويبقى لنا القول أن مشاركة الرئيس السيسى للمرة الثانية بـ (قمة بغداد 2) ترسل رسالة مهمة جدا للعالم ولدول حوار العراق مفادها أن الدولة المصرية داعم أساسى ومحورى لاستقرار العراق، ومشاركة الرئيس تأتى تأكيدا للثوابت المصرية فى ذلك الشأن، خاصة وأن مصر شريك أساسى للدولة العراقية فى مسارات الإعمار والتنمية سواء عبر التعاون الثنائى أو عبر الآلية الثلاثية التى تجمع مصر والأردن والعراق.