فى مسألة الأنقلاب التركى وفشله


فى البداية لابد من التأكيد على ما سبق وان أكدته مرارا بخصوص رفضى المبدئى للانقلابات. لكن وفى المقابل هذا لا يعنى إطلاقاً أن أنفى فرحتى الخاصة بالانقلاب ضد "أردوغان" تحديداً وحزنى لفشله فالأمر بالنسبة لى تحكمه مسطرة قياس عنوانها مصلحة الوطن (الوطن العربى.. من المحيط إلى الخليج). فأنا أقف ضد أى نظام فى العالم يسعى إلى المساس بهذه المصلحة. وأعلن أن أى نظام سعى ويسعى إلى تقسيم سوريا وتفتيت العراق ويؤازر الكيان الصهيونى ويحمى الإرهاب، هو نظام أتمنى أن ينقلب بل ويضرب بالنووى أن أمكن.. (لعلى لست فى حاجة إلى التذكير بأننى قلت النظام لا الشعب).

هذا عن الموقف.. أما عن التحليل وقراءة ما حدث، فلابد لنا من البدء فى طرح عدد من الأسئلة ستكون فى رأيى بوابة للدخول إلى القراءة.

أول هذه الأسئلة يكمن فى نوعية الانقلاب، فهل هو انقلاب (الجيش).. أم أنه مجموعة من (الجيش) والفارق كبير؟!
ثانياً: هل كان يعلم أردوغان، ولو بالمصادفة، على طريقة علم الملك المصرى فى الدقائق الأخيرة بنية الضباط الأحرار بعمل انقلاب عليه، الأمر الذى جعل الضباط الأحرار يعجلون بالانقلاب الذى كان مقررا له يوم غير اليوم الذى تم فيه؟

ثالثاً: كيف يتم التخطيط لانقلاب ما ولا يكون أول خطواته التحفظ على قيادات النظام " وزراء – مدير أمن – قيادات إعلامية... إلخ".

رابعاً: ماذا بعد فشل "الانقلاب"؟!

وللإجابة عن هذه الأسئلة جميعها، وكلها مرتبط بعضها ببعض، لابد أن نذكر أن هناك سيناريوهين يخصان الانقلاب وكيفية حدوثه ومن ثم كيفية فشله.

السيناريو الأول هو الأبسط والأقرب للمنطق ويقول: أن مجموعة من ضباط الجيش اتفقوا على الانقلاب على السلطة, فباءوا بفشل ذريع وسريع نتيجة لأخطاء جسيمة، متمثلة فى السؤال الثالث والخاص بكيف يتم التخطيط لانقلاب دون أن تكون أول خطواته التحفظ على رؤوس النظام؟!

أما السيناريو الثانى فهو أقرب إلى الأفلام السينمائية، لكن، وقد يندهش البعض،هو ما أميل إليه، والذى يقول أن الانقلاب كان مخططاً له من قبل السلطة نفسها وبتدبير وإشراف رأسها "الطيب أردوغان".. وقبل ان تصف هذا السيناريو بالمستحيل أو حتى بالمجنون دعنا نعد إلى السؤال الثالث نفسه!.

(كيف تخطط لانقلاب دون أن تتحفظ على....) وهو السؤال الذى ستدعمه جملة جاءت فى خطاب أردوغان الذى ألقاه بعد فشل الانقلاب مباشرة حيث قال: ".. إن الانقلاب جاء هدية من السماء لتطهير الجيش"!

إذن التطهير (من وجه نظر أردوغان) كان هدفاً يسعى إليه وهو يقصد طبعاً بالتطهير هنا التخلص من العناصر التى يرى أنها غير داعمة لرغبته فى السيطرة الكاملة والرافضة لمسعاه نحو العودة بتركيا إلى عصر الخلافة. بالإضافة إلى احتياج أردوغان إلى تجديد شرعية وجوده واستمراره بعد أن اهتزت فى الفترة الأخيرة بسبب عدد من الأحداث بدأت بمظاهرات ميدان تقسيم ضد سياساته، مروراً بتورطه فى دعم الإخوان المطرودين من جنة المصريين ومحاولات التدخل لإعادتهم إلى الحكم، وصولاً إلى انسحاقه أمام الدب الروسى واضطراره إلى الاعتذار بعد موقف عنجهى كادت تركيا ومازالت مهددة أن تدفع ثمنه غالياً. وأخيرا تقاربه العلنى من الكيان الصهيونى الذى عاشت تركيا على إعلان رفضه باعتباره احتلال عنصرى.

كل هذه الهزات أجبرت أردوغان على البحث عن موقف ما ربما يصطاد به أكثر من عصفور بطلقة واحدة. ما جعله – حسب السيناريو السينمائى – أن يدبر ، أو على الأقل يوهم أصحاب المحاولة أنه يغض البصر عنها بل ويغذيها عبر فتح ثغرات أغرت الانقلابيين بأن الطريق سهل وممهد .ثم ينقض هو بحركة مضادة تعيد إليه هيبته كما أبطال الأفلام .

لكن أياً ما كان من السيناريوهين هو الصحيح، يبقى لنا أن ننظر إلى ما بعد الانقلاب. و يقينى فى هذا أن تركيا أردوغان بعد محاولة الانقلاب لن تبقى على ما كانت عليه قبله. وأن العصافير الذى طمح أردوغان فى اصطيادها لن يحظى منها بأكثر من واحد يتمثل فى عودته. فأردوغان بما تتسم به شخصيته من غرور لن يقرأ ما حدث القراءة الصحيحة، فهو سيعلن - وقد بدأ بالفعل - أن الشعب رفض الانقلاب تأييداً لشخصه، متناسياً أو متجاهلاً أن الشعب التركى حين نزل إلى الشارع معلناً رفضه للانقلاب نزل ملتحفا بالعلم التركى، رافعاً صورة أتاتورك لا صورته.. وهى رسالة إذ لم يفهمها أردوغان – ولن يفهمها – سيدفع ثمنها غالياً وسريعاً. فصورة أتاتورك قالت و بوضوح أن رفض الانقلاب كان من أجل استمرار الدولة العلمانية التى أسسها والتى سعى أردوغان ومازال يسعى إلى تقويضها. وتعنى أيضاً أن رفض الانقلاب (العسكرى) لا يعنى بالضرورة قبول أردوغان (مدعى المدنية) وتعنى أيضاً أن الانقلاب سيتكرر قريباً لكن بالصورة التى يرحب بها الشعب ويرضاها، صورة الانقلاب (الشعبى) الذى سيطيح بدولة أردوغان وحزبه الدينى... وهو ما انتظره أنا بفارغ صبر.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;