مع التسليم بدخول مصر مرحلة جديدة من العمل التنموى وتأمل فى تحقيق قدر أكبر من التقدم الاقتصادى فى ظل وجود مؤسسات الدولة المكتملة من شعبية إلى تنفيذية وسلطات عامة، فإن هذا القدر من التنمية سوف يتيح لها نوعًا من التنوع الاقتصادى، بحيث يتوقع إيجاد مصادر جديدة للدخل القومى غير تقليدية كما كان سالفًا.
وعلى ذلك ننبه إلى أن النظم المالية المطبقة حاليًا، والتى تعتمد فى الأساس على الضرائب المباشرة وغير المباشرة (بشكلها التقليدى) تصبح غير كافية كأداة لتعبئة ادخار المشروعات الاقتصادية الجديدة القادمة، لذا يجب أن يعيد المشرع النظر فى قوانين الضرائب مع هذا الوضع الناشئ عن البدء فى خطط التنمية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، بحيث تتناسب مع الظروف الاقتصادية الجديدة وتدفع عجلة التنمية إلى الأمام كمعجل لتقدم الاقتصاد، وبهذا الصدد يجب أن نتوسع فى تعريف معنى الدخل (الذى تطبق عليه الضرائب) فى مصر وهى فى طرق التنمية، فليس من الضرورى أن نقف فقط عند "دخل الممول" (أى دافع الضرائب) كمعيار للنشاط المربح، إذ أن التوسع فى الزراعة والصناعة والعمران والتشييد والسياحة وتخطيط المدن يؤدى إلى زيادة القيم العقارية والأراضى والمنقولة أيضًا.
ولما كانت هذه الزيادة فى القيم تصب فى التنمية الاقتصادية، فإنه يكون من حق الدولة أن تتحصل عليها أو على جزء منها، وأن تخصصها لتمويل التنمية الاقتصادية القومية، ويكون ذلك من خلال فرض ضرائب من نوع خاص عليها، وذلك أما بالتوسع فى معنى الدخل باعتبار هذه الزيادة فى القيم دخلاً إضافيًا وقت تحقيقها ويجب أن تطبق عليها ضرائب الدخل العادية، وعلى ذلك فالنظام المالى الذى يعتمد فقط على الضرائب على الدخول الظاهرة، أى الذى يضيق من فكرة الدخل باشتراط عنصر الاستمرارية (كما هو الحال فى مصر)، يسقط من حسابه نتيجة مهمة من نتائج الإثراء على حساب التنمية، لصالح الأغنياء على حساب الفقراء ويضيع حق الدولة فى ثمار التنمية والتى هى سببها فى الأساس.
وعليه ننصح الحكومة إلى الالتجاء أيضًا، بغرض الحصول على موارد لتمويل التنمية القومية إلى التوسع فى معنى الدخل المحاسبى ليشمل بالإضافة إلى الزيادة فى القيم الناشئة عن التنمية، الزيادات فى القيم والمتحصلات غير الدورية الناشئة عن أسباب غير تنموية (مثل ارتفاع الأسعار لتلك القيم لمبررات العرض والطلب عليها)، أضف إلى ذلك تطبيق ضرائب على الأرباح الاستثنائية، هذا وإذا حدث وأدت سياسة تقليص الاستيراد إلى الحد من استخدام سلع استهلاكية وزيادة النفقات العامة، وبالتالى إلى ارتفاع الأثمان، وهو ما سوف يحقق للمشروعات المحلية أرباحًا استثنائية (فى حالة التحول من استهلاك السلع المستوردة إلى استهلاك المنتج المحلى حال توفرة كبديل جيد)، يكون من المنطقى ألا تكتفى الدولة بإخضاع هذه الأرباح غير العادية للضرائب المعتادة على الدخول، وأن تلجأ إلى فرض ضرائب خاصة ذات سعر تصاعدى على الأرباح الاستثنائية المحققة.
وأخيرًا هنا، يجب ألا تنسى الحكومة والمشرع تعديل منظومة الضرائب على الثروة (فى مرحلة التنمية)، وذلك لأنه من الملاحظ حتى الآن أن الضرائب على الثروات فى مصر لم تطبق بعد بصورة مرضية وفعالة كما يجب، ونرى أن الاعتماد المفرط من قبل الحكومة على الضرائب غير المباشرة بدلاً من الضرائب على الدخول (فى تمويل التنمية القومية) وذلك لاعتبار مصر دولة أخذة فى النمو، وأنه سوف يتبدل الوضع بعد أن تكون حققت قدرًا من التنمية الاقتصادية التى تسمح بأن يتسع وعاء التحصيل لقاعدة الممولين، حتى يتسنى للحكومة تحصل القدر المراد لتمويل التنمية الاقتصادية المستدامة منها، وبالتالى تتجة إلى الاعتماد على الضرائب المباشرة أكثر من غير المباشرة وقتها .
وفى النهاية ورغم أننى ممن يؤمنون بضرورة حصول الدولة على جزء من عوائد التنمية الاقتصادية فى البلاد، لتستخدمها فى تمويل التنمية العامة أو القومية فى شكل نفقات جارية وتحويلية واستثمارية، تصب فى رفع مستوى الخدمات ومعيشة الطبقات العريضة من شعب مصر، ولكن لا يجب أن يتم ذلك على حساب تلك الطبقات (من خلال التوسع المستمر فى الضرائب غير المباشرة)، وذلك لاننى أرى أن هذا وإن كان سوف يحقق بعض أهداف الدولة مرحليًا، إلا أن فيه ظلم شديد لمحدودى الدخل والفقراء وسوف تفضى هذه السياسة المتبعة إلى لا شىء ويسقط معها مبدأ "العدالة الاجتماعية".