من آفة وسائل التواصل الاجتماعي، أنها أصبحت وسيلة لكشف عورات الناس، وانتهاك الحق في الخصوصية، والتشهير بهم وفضحهم على الملأ باللفظ والصوت والصورة والتلميح والإشارة.
والبعض من مدمنى السوشيال ميديا لديهم هوس الشهرة برصد وتتبع وتصوير وبث الفضائح، في سبيل اللهث وراء الترند وتحقيق أعلى مشاهدة وتعليقا، وتربحا على حساب حقوق الإنسان وكرامته.
ولاشك أن تلك الأفعال مؤثمة ومخالفة لكل القيم التي جاءت بها الشرائع والقوانين والعقائد السماوية والوضعية، فمن قيم الأديان السَتْرُ على المخطئين والعاصين، وأنه أفضل من الكشف والفضح.
فالله غَفُورٌ رحيم حَلِيمٌ ، لا يؤاخذ بالذنوب والمعاصي في أول وهلة، بل يستر عباده ويمهلهم فرصة للتوبة النصوح والإقلاع عن المعاصي، فهو واسع الفضل والرحمة والمغفرة، ولو كشف الله علينا ستره ونزع غطاءه لفضح عباده المخطئين. قال تعالى في محكم التنزيل، "لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ" (البقرة/225).
ولنتأمل استخدام النص القرآني صيغة "غَفُور و غَفُورة وهي صيغ مبالغة من غفَرَ: كثير الغفران( معجم المعاني )، وحليم، من الحِلم أو الأناة أي متسامِح مع عباده، لا يعجل بعقوبتهم على ذنوبهم، بل يؤخرهم.
ولننظر للحكمة العلية في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النُّور: 19] أي النهي عن شيوع ونشر الفواحش ، "فَإذا انْتَشَرَ بَيْنَ الأُمَّةِ الحَدِيثُ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنَ الفَواحِشِ تَذَكَّرَتْها الخَواطِرُ وخَفَّ وقْعُ خَبَرِها عَلى الأسْماعِ فَدَبَّ بِذَلِكَ إلى النُّفُوسِ التَّهاوُنُ بِوُقُوعِها وخِفَّةُ وقْعِها عَلى الأسْماعِ فَلا تَلْبَثُ النُّفُوسُ الخَبِيثَةُ أنْ تُقْدِمَ عَلى اقْتِرافِها، وبِمِقْدارِ تَكَرُّرِ وُقُوعِها وتَكَرُّرِ الحَدِيثِ عَنْها تَصِيرُ مُتَداوَلَةً. هَذا إلى ما في إشاعَةِ الفاحِشَةِ مِن لِحاقِ الأذى والضُّرِّ بِالنّاسِ ضُرًّا مُتَفاوِتَ المِقْدارِ عَلى تَفاوُتِ الأخْبارِ في الصِّدْقِ والكَذِبِ(ابن عاشور/ التحرير والتنوير ).
أما تأويل الأمر والنهي في قوله تعالى: " أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (الحجرات/12 ). أي، نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم.
وبحسب ما يقول المفكر الكبير الدكتور نظمى لوقا (1920-1987)عن المشتركات بين المسيحية والإسلام في دعاء عامة الناس" دوام الستر" " ووقاك الله شر الفضيحة". قرحاً أفرخ بالرّب. تبتهج نفسي بالهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، كساني رداء البر» (إشعياء ٦١: ١٠). وكساني تعني ستر الله على، وستر الإنسان، فالله محبة دائمة وحركة دائمة، في محبته يستر ويعلن هذه المحبة.
سَتْرُ اَللَّهِ ْجَمِيل ..فمتى يدرك الناس قيمة الستر؟