كان الله فى عون الأشقاء فى سوريا وتركيا، فالآثار الناجمة عن الزلزال مدمرة، وتتزايد أعداد الضحايا كل دقيقة، وتنفطر القلوب من رؤية دموع الأطفال والشيوخ والنساء والرجال، وهم يبكون حزنا على من فقدوهم، وكمدا على مأواهم الذى صار أثرا بعد عين، وهما بما سيواجهونه فى مقبل الأيام.
الزلزال من الكوارث المدمرة، خاصة كلما زادت درجته عن 6 بمقياس ريختر، لأنه يأتى دون سابق إنذار، فرغم التقدم المذهل للعلوم الجيولوجية، إلا أن التنبوء بحدوثه ضربا من المستحيل، ولا تستطيع شبكات الرصد المنتشرة فى كل بقاع وبلدان العالم التكهن بحدوث الزلازل أو حتى باحتمالية حدوثها فى وقت محدد، ويعود ذلك إلى أن قلب الكرة الأرضية لا يكّف عن بث موجات حرارية وطاقة كبيرة ومستمرة، وتتراكم تلك الطاقة بين قشرة الأرض وقلبها، وتؤثر فى الطبقات التكتونية المؤلفة للقشرة الأرضية، وتتولد قوى ضغط تتراكم بمرور الوقت لتتحول على حين غرة إلى زلزال تختلف شدته باختلاف قوة الضغط الناتجه عن تحرك الطبقات التكتونية.
ونحن فى مصر عانينا من الزلزال فى أكتوبر عام 1992، حيث استمر لمدة نصف دقيقة، وبلغت قوته 5.8 درجة، وتسبب فى وفاة 561 شخصا وإصابة 12,392 آخرين، وتشريد حوالى 50 ألف شخص، ونتج عنه تداعيات كبيرة لآلاف المنازل، وكان الزلزال الأكثر تدميرا بالنسبة للقاهرة فى العصر الحديث.
ولأن الزلزال كارثة مدمرة تحاول الدول التى تقع فى حزام الزلازل تقليل حجم الخسائر الناتجة عنه بقدر الإمكان، عن طريق وضع كود بناء، بما يتماشى مع الهزات الأرضية المتكررة وتجنبا لكوارث مستقبلية. اليابان تطبق ذلك بمنتهى الصرامة والدقة، لكونها من الدول التى تقع فى نطاق الزلازل النشطة.
عندنا فى مصر، انتبهت الحكومة إلى الأمر، وطبقت معايير معينة فى البناء، راعت فيها تحديث "كود البناء" فى البلاد، لتفادى الخسائر الهائلة حال وقوع زلزال قوى، حيث يتم تصميم الأساسات بدرجة من المرونة بحيث تكون مقاومة بطريقة أو أخرى للزلازل لكى تصمد فى وجه الزلازل، وبدأ العمل بأكواد البناء فى مصر عام 2003، ثم جرى تحديثها عام 2012، ثم بدأت مراجعتها للمرة الثالثة فى الوقت الحالي، ومن المتوقع أن تصدر فى صورتها الأخيرة بنهاية العام الجارى 2023، حيث تشترط وجود عدد من القواعد العلمية خلال عملية إنشاء جميع العقارات والمنشآت، لتراعى الخريطة الزلزالية على مستوى المحافظات المصرية، والأماكن التى تكون عرضة لنشاط الزلازل، والتشديد على الجهات الرسمية الالتزام بتلك القواعد أثناء أعمال البناء والتشييد ما يجعلها تقاوم الهزات الناتجة عن أى زلزال محتمل.
تفعيل "كود البناء" فى صورته النهائية فى مصر، أمر لا مفر منه، ولنا فى ما نشاهده بأعيننا فى تركيا وسوريا عبرا ودروسا، يجب أن يكون تطبيق تلك الأكواد بشكل حاسم، وأن نغلق كافة أوجه "الفهلوة" و"المحسوبية"، وعلى المشرع أن يشدد من عقوبة التساهل فى تطبيق تلك الأكواد، لأن ذلك يتعلق بأرواح الناس، وسيكون من الأفضل أن يتم وضع علامة على كل عقار أو منشأة تؤكد أن هذا المبنى مطابق للمواصفات وتم بناؤه طبقا لكود البناء.
هناك أمر آخر، هام للغاية أيضا، فإذا كان كود البناء تم تطبيقه فى المبانى الحديثة وسيراعى تطبيقه أيضا على المبانى المزمع إنشاؤها، فما هو الحال فى المبانى القائمة، خاصة أن الكثير من المبانى يعانى من القِدم والتآكل وبعضها انتهى عمره الافتراضى، وهو بمثابة قنبلة موقوتة، ولذلك أعتقد أن الأحياء ومجالس إدارات المدن عليها عبء كبير خلال الفترة القادمة، من خلال حصر كافة المبانى القديمة والتى تشكل خطرا على ساكنيها، ومحاولة التدخل لترميمها، أو حتى إخلائها، لتجنب وقوع كارثة.
التفعيل القوى والحاسم لأكواد البناء، وترميم وإصلاح المبانى القديمة، هو طوق النجاة، فالوقاية خير من دمار الزلزال.