حين ألمح تصنيف "أدب ساخر" على كتاب جديد فى السنوات الأخيرة غالبًا ما أتحسس مسدسى، فرغم أن الشعب المصرى مشهور بخفة ظله، إلا أن قليلين من يدركون تلك الشعرة الفارقة بين خفة الظل والاستظراف فى الكتابة الساخرة. حين شرعت فى قراءة "قهوة بندق" للكاتب أحمد على، لم أكن متوجسة، فأنا أتابع محتواه الساخر على يوتيوب، ولم يفشل أبدًا فى إضحاكى ببساطة ودون الكثير من المجهود.
بدأت قراءة الكتاب، وشدنى الإهداء المميز "إلى تيمون وبومبا ونقاشهما العميق حول نجوم السماء". ووجدت من السطور الأولى ما توقعته من لقطات ذكية وخفة ظل حقيقية بعيدة عن الاستظراف أو التصنع أو "الاستخفاف". توقعت أن أبتسم من قلبى، ولكننى فوجئت بضحكاتى العالية باستمتاع شديد فى بعض المواضع، خاصة فى فصول "الخاطبة الرقمية" و"الفريق الطيب" و"الثلاث ثمرات" و"تيمون وبومبا" و"ملل".
الكتاب الذى يضم نحو 22 فصلاً، يكشف عن حكاء بارع، ولغة قوية رشيقة، وسعة اطلاع ودقة ملاحظة، أما الأهم - وهو أكثر ما لمسنى - أننى وجدت من يتكلم بلسان شخصيتى الانطوائية التى تتحس خطواتها فى العالم الذى دائمًا ما يسيء فهم الانطوائيين وتقديرهم، وربما هذا هو ما جذبنى من السطور الأولى فى حكيه عن "الفريق الطيب"؛ العنوان الذى ينقلنا بدوره إلى النقطة الأخرى التى أحببتها فى الكتاب وأمتعتنى، فرغم التحليل العميق والذكى للحياة من حوله والانتباه لكل تفاصيلها، تحمل الحكايات طفولة محببة، أظنها تميز الكثيرين من أبناء أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، الذين أعتقد أنهم سيعجزون للأبد عن استيعاب أنهم كبروا، وأن العالم بهذه الصعوبة. أعادنى الكتاب فى عدة فصول إلى ذكريات الطفولة، وقد وثق الكثير من المشاهد المتعلقة بالقوانين غير المكتوبة لألعاب الأطفال فى الشارع، ومغامرات المدرسة، وحتى الصعوبات الطفولية التى كنا نواجهها ورغبتنا المحمومة فى الاندماج وأن نكون جزءًا من الآخرين.
بين مرحلتى الطفولة والشباب، تنطوى فصول الكتاب على مغامرات طريفة ومحاولات لاكتشاف واقتحام العالم بفضول طفولى ودهشة وبساطة فى التعامل مع الخيبات واستقبالها، لتشعر بنفسك بعد الانتهاء منه وقد أصبحت أكثر خفة، وأقل همًا، وأكثر استعدادًا لخوض تجربة جديدة ومغادرة منطقة راحتك حتى لو كنت تعلم جيدًا أنك ستعود إليها بسرعة لاهثًا وتقرر أن تجرب مجددًا فى وقتٍ لاحق، ربما يحالفك الحظ السعيد آنذاك.