تعيش الشوارع المصرية وحاراتها حالة طوارئ، مع رؤية هلال «شهر شعبان»، حيث تقف الطقوس والعادات التي توارثها المصريون منذ قرون، صامدة في وجه كل التحولات والحداثة العالمية التي نراها في كل مناحي الحياة، بيد أن هذه الحداثة و«لله الحمد والمنة» لم تنل من هذه الطقوس المتمثلة في تحضيرات «القوم» بحلول شهر رمضان المعظم، والتي أعتقد أنها حصرًا على مصر وأهلها، فزينة وفانوس رمضان لا يعرف أسرارها غير المصريين.
منذ ما يزيد عن 1000 عام ونيف، لا زالت الحارة المصرية تعيش حالة بهجة وفرحة استثنائيتين قلما نجدها على الكوكب، فحتى يومنا هذا نجد في كل شارع وحارة متطوعون يحرصون على جمع الأموال اللازمة لعمل زينة وفوانيس رمضان استعدادً لتركيبها مع حلول الشهر الفضيل، فنجد الحارة المصرية في أبهى صورها على الإطلاق، حتى أن البعض يشبهها بالعروس يوم زفافها.
أزعم أن البهجة والفرحة التي تراها فى الحارة المصرية بمناسبة حلول شهر شعبان ورمضان، لن تجدها في أي دولة إطلاقًا، ففي أحد الأعوام سافرت الى إحدى الدول العربية وصادف وقتها قرب حلول الشهر الكريم، توقعت أن أرى ما أراه في حارات مصر وشوارعها، فلم أجد أي مظاهر تدل على قدوم شعبان أو حتى رمضان، فسألت أحد مواطني هذه الدولة، لماذا لا تعلقون الزينة والفوانيس في شوارعكم ابتهاجًا بقرب حلول الشهر الكريم،؟ فنحن في مصر نستمر أيام وليال طويلة في التحضير لهذه الطقوس، .. قال لا عجب فإنني أحرص على زيارة مصر في هذا الشهر لأعيش تجربة استثنائية في عبق القاهرة الفاطمية التي تمتزج فيها البهجة والفرحة مع رائحة التاريخ العتيق.
الحالة المصرية الفريدة التي نشاهدها في تلكم الأيام، تدعونا للاهتمام بمثل هذه التفاصيل الدقيقة خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم وأثرت بطبيعة الحال على قطاع عريض من المصريين، وأخشى أن تنال الأزمة من هذه الطقوس التي ظلت صامدة قرونا، أمام موجات التاريخ العاتية.