تداولت مواقع كثيرة صورا لجنود من الجيش التركى مقيدين من الخلف منزوعى الملابس معصومى الأعين، يسيرون باستخذاء فى طابور طويل مسيجين بعناصر من الشرطة المدنية وبعض من أفراد تنظيم "العدالة والتنمية".
وهى الصور التي تجعلنا نتساءل حول موقف "الجيش التركى" ، قيادات وضباطاً وجنودا، من هذه المشاهد، ومن قبلها مشاهد الضرب بالسياط وذبح بعض الجنود بالسكاكين !
مما لا شك فيه أن هذه المشاهد كما هزت مشاعر المتابعين من كافة أرجاء الدنيا فهى بالضرورة ستصيب بالفزع والغضب أفراداً و قيادات داخل الجيش التركي.
وإذا ما وضعنا هذه المشاعر بجوار أخرى أثارتها القرارات التي أصدرها أردوغان صبيحة عودته إلى الحكم والخاصة بعزل 2745 قاضياً، منهم خمسة أعضاء من المحكمة العليا التركية، فإن الأمر يستتبع تأملاً لما سيكون عليه الصراع فى تركيا خلال الشهور المقبلة والذى نتصور أنه وصل إلى نقطة ذروة إذا لم يكن أردوغان متحسباً لها ستنفجر فى وجهه انفجاراً يضع تركيا بالكامل على خط مواجهات أهلية .
إن قرارات أردوغان الأخيرة وخاصة عزله للقضاة تكشف عن نفس انتقامية لا تليق برجل سياسي محنك كما كان يظهر طوال السنوات السابقة، وتقول بوضوح إنه يسعى إلى ترتيب الأرض التركية وفق رد فعل أحمق.
أتصور أن خطأ أردوغان الأكبر والذى يقترب من الخطيئة تمثل فى هذه الصور المازالت تتواتر على المواقع الإلكترونية وتتناقلها الفضائيات. فالإهانة التى لحقت بعناصر من الجيش التركى – وإن كانوا من المارقين -لا يمكن السكوت عنها . وأتصور أن الجيش التركى، بعد هذه المشاهد، بحاجة إلى فعل ما يعيد إليه هيبته.
فى المقابل لا يمكن تجاوز هذه المشاهد المخزية دون أن تطغى على الذهن وبكل فخر مقارنة بين الموقف الشعبى من الجيش المصرى عبر حوادث كثيرة مرت بها مصر . فلا يمكن أن ينسى جيلى على سبيل المثال مشاهد الحفاوة التى استقبل بها الشعب المصرى جنود ودبابات الجيش المصرى حين اضطروا للنزول إلى الشارع فى ذروة الانتفاضة الشعبية الكبرى فى يناير من عام 1977 ، رغم أن رأس النظام قد وصفها آنذاك بـ " انتفاضة الحرامية " . لا يمكن أن ننسى كيف استقبل الثوار جنود الجيش بالأحضان ، وكيف استقبل الجنود هذه الأحضان بامتنان شديد . لا يمكن أن ننسى كيف كانت أمهاتنا يجهزن الطعام والشراب وينزلن بأنفسهن لتوزيعها على الجنود الرابضين على نواصى الشوارع وأمام المبانى الحيوية ، إيمانا منهن بأن جيش مصر نزل للحفاظ على الأمن وإحقاق الحق . وهو ما تمثل بالفعل فى إجبار القيادة السياسية على التراجع عن قرارات زيادة الأسعار السبب الرئيس فى انتفاضة عرفها التاريخ المحق باسم " انتفاضة الخبز ".
المشهد نفسه تكرر مع انتفاضة جنود الأمن المركزى فى عام 1986 ، ومن بعده فى الثورة الأكبر يناير 2011 ، ومن بعدها ثورة 30 يونيو اللتان خرج بعدهما الجيش المصرى منحازا لنداء (ارحل ) ومنفذه.
وهكذا سيذكر التاريخ وبكل الاعتزاز أن أى خلاف دار بين الشعب المصرى وقياداته السياسية المختلفة كان الجيش فيه حاميا للشعب حافظا لأمنه متحيزا لمطالبه.
والآن لنعد إلى مشاهد ( الخزى ) التى تناقلتها وسائل الإعلام العالمى لجنود أتراك يسحلون فى الشوارع ويجرون كالنعاج مجردين من الملابس لنتساءل مرة أخرى هل سيغض الجيش التركى بصره عنها أم ستشهد تركيا فى المقبل من الأيام محاولات لاستعادة الهيبة ؟ ومن ثم ما الذى يمكن أن يفعله ( أردوغان ) للتكفير عن هذا الخطأ الخطيئة ؟ ... فلننتظر.