زرت مؤخرا قلعة صلاح الدين، وعلى الرغم من كونها ليست زيارتي الأولى، فقد زرتها منذ سنوات مرة أو مرتين، لكنني ذهبت إليها كأنها المرة الأولى، دخلتها متأملا وخرجت منها شغوفا بكل ما رأيت.
أنظر دائما إلى آثار مصر ليس بوصفها تحديا للزمن فقط، ولا أنها دليل على أن قوما عاشوا هنا ومضوا بينما بقيت آثارهم فقط، بل أكثر من ذلك، فأنظر إليها بوصفها حضارة لا تزال قادرة على التأثير في الهوية، قادرة على القول بأن جذورنا ممتدة في هذه الأرض، وأننا أحفاد "عظماء".
كانت القلعة ذات مرة موطن الحكم في مصر، وكانت دائما رمزا للقوة، تؤكد أمرين، الأول أن مصر تتوقع خطرا، والأمر الثاني أن مصر مستعدة لمواجهة هذا الخطر.
منذ بداية الرحلة، ومن الطريق المرتفع الذي يصل بنا إلى البوابة الرئيسة رحت أفكر في المعنى من وجود القلعة على مكان مرتفع بهذا الشكل وكيف كان يصله الناس قديمًا، وبعيدا عن الأفكار الحربية والمعمار فإني وجدت لذلك العلو معنى جماليًا، فمن القلعة تستطيع "فعليًا" أن ترى القاهرة كلها، جميع أحيائها القديمة والحديثة وحتى أهرامات الجيزة ستراها في الناحية الأخرى في مواجهة القلعة تحمى المدينة أيضا من ناحية الغرب، حينها ستدرك أن هوية مصر المحصورة بين رمزين يكملان بعضهما، الحضارة الفرعونية والحضارة الإسلامية، وبينهما الحضارة القبطية بكل تأثيراتها في الشخصية المصرية.
أما عن داخل القلعة، فوجدت تاريخا وحضارة ورقيا، هناك يتحدث الحجر فعلا، من أسوارها حتى جامع محمد على باشا، وحتى زنازينها التي تحولت لمتحف وانتهاء بمتحفها الحربي، كل ذلك سطور في حكاية طويلة فيها المفرح والمحزن، لكنها في مجملها حكاية مكتملة عن شعب.
ليت كل المدارس تضع في خطتها زيارة للقلعة، وليت كل الأسر المصرية تذهب لتقضي يوما جميلا ومفيدا، ليت الجميع يذهبون شريطة أن تكون معهم رفقة طيبة كما كانت معي.