ربما تبقى رهانات الدولة المصرية، مرهونة بسيناء، فكانت تلك البقعة من أرض مصر، مركزا لاهتمام المصريين، ليس فقط على المستوى الرسمي، وإنما على المستوى الشعبي، منذ عقود طويلة من الزمن، وهو الأمر الذي ربما غاب عن الإدراك عن لعقود، عندما اقتصر التركيز على تحرير الأرض من براثن الاحتلال الغاشم، عبر الانتصار العظيم في أكتوبر 1973، لتواجه تلك الأرض المقدسة، بعد ذلك عقودا من الإهمال، جعلتها مركزا للتهديد الأمني، وهو ما بدا في السنوات الأخيرة، خاصة مع اندلاع "الربيع العربي" وربما قبله، عندما سيطرت على عقول الشباب، الذين عانوا الفقر والتهميش، والبطالة، ليكونوا سلاحا ربما أشد وطأة وحدة من الاحتلال، وأكثر فتكا من تداعياته.
وهنا تبدو معضلة سيناء، متعددة الأبعاد، بدأت بالاحتلال، لتمر بعده بالتهميش، والذى ترتب عليه غياب الوعي، ليكون الجانب الأمني برمته في خطر، عبر تفشي جماعات الظلام، التي ربما سعت إلى تعويض الفراغ الناجم عن غياب الدولة، في مرحلة ما بعد "التحرير"، وهو الأمر الذى أدركته "الجمهورية الجديدة" في أعقاب 30 يونيو، حيث تبنت خطة شاملة، تحمل العديد من المسارات، ارتكزت في بدايتها على الذراع الأمني، لتحرير الأرض مرة أخرى، ولكن من براثن الإرهاب، بينما حملت معها آلتها التوعوية، والتي تهدف في الأساس إلى إعادة توجيه "البوصلة" الفكرية لأبنائها، لتكون سلاحا مهما ورئيسيا في الحرب على الإرهاب، وهو ما يمثل نهجا جديدا ورائدا، بعدما اقتصرت في الماضي على اعتماد النهج الأمني البحت لردع الميليشيات، دون سبيل لتغيير الأفكار والرؤى، والتي تمثل الأساس الذي تعتمده تلك الجماعات للبقاء والحشد.
بينما تبقى التنمية مسارا ثالثا مهما يضاف إلى المسارين الأولين، وهو ما يبدو في المشروعات العملاقة التي تتبناها الدولة المصرية، في إطار مساعيها نحو تحسين حياة ألاف البشر الذين يقطنون تلك القطعة الغالية من أرض مصر، وهو ما يمثل جزءً رئيسيا من استراتيجية الحرب على الإرهاب، بينما تمثل، في الوقت نفسه، امتدادا للخطة التي تتبناها لتحقيق "التنمية المستدامة"، وهو ما يبدو في حقيقة الأمر في العمل الذى اتسم بحالة من الشمولية في كافة محافظات الجمهورية، والتي شهدت توسعا، سواء من الناحية الجغرافية، عبر اقتحام الصحراء، وتأسيس المدن الجديدة تارة، أو من حيث البنية الأساسية، والتي من شأنها توسيع حلقات الاتصال بين كافة مناطق الدولة، تارة أخرى، أو تنويع النشاط، بين الزراعة والصناعة، عبر استغلال إمكانات كل منطقة، لتحقيق أكبر قدر من التكامل الاقتصادي في الداخل، ومن ثم أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي.
الخطة المصرية ذات المسارات المتنوعة، تمثل في حقيقتها مفهوم "التنمية المستدامة"، والتي تبدو أبعادها مرتبطة ببعضها، فالنمو الاقتصادي، ليس منفصلا عن الواقع السياسي أو الأمني وحتى جوانب أخرى، على غرار الأوضاع البيئية والاجتماعية، غيرها، بينما يبقى مرتبطا في الوقت نفسه بحياة البشر، وأفكارهم، فالعملية التوعوية تمثل جوهر بناء الإنسان، والذي يمثل أساس العملية التنموية، والتي تصب بالنفع على حياته.
فلو نظرنا إلى الأوضاع الأمنية المستقرة، نجدها عاملا مهما لجذب الاستثمارات، وبالتالي تحقيق حالة من الرواج الاقتصادي، بينما تبقى الأخيرة، دافعا لحشد المواطنين، المنتفعين من الاستقرار، للوقوف صفا واحدا خلف دولتهم في مواجهة أية محاولات من شأنها تعكير الصفو المجتمعي أو إثارة الفتن، أو نشر الإرهاب، للإبقاء على الحالة التنموية، لتصبح التنمية عاملا مشتركا، سواء لتحقيق الرخاء الاقتصادي الذى تتطلع إليه الدولة المصرية ومواطنيها، من جانب، أو كأداة مهمة في الحرب ضد الإرهاب، وهي الحالة التي عبر عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديثه خلاله حول الأمن والوعي والتنمية، والتي تمثل مثلث الاستقرار، في كافة أنحاء الجمهورية، ولكن تبقى سيناء، ربما بسبب ما شهدته من ظروف دامت لعقود، أو بسبب مكانتها في القلوب أحد أهم الرهانات في هذا الإطار.
وهنا يمكننا القول بأن مثلث الاستقرار، يمثل جوهر الاستراتيجية المصرية المزدوجة لتحقيق الأمن والتنمية، في إطار من الشراكة، بين المواطن والدولة ومؤسساتها، لتحقيق التنمية في صورتها الكلية، مع العمل على المستوى الإقليمي، عبر تعميم التجربة المصرية من جانب، مع تقديم الدعم والمساعدة، لدحض المخاطر التي تواجه دول الجوار، في ارتباط وثيق بين الداخل المصري والمحيط الإقليمي.