منذ أيام قليلة، أعلنت صالة المزادات الأمريكية هيرتيدچ Hertiage - وهى ثالث أكبر صالة مزادات فى العالم - عن بيع جواز السفر الدبلوماسى الخاص بالرئيس الراحل أنور السادات بمبلغ 47500 ألف دولار، الصادر فى 19 مارس 1974، والسارى حتى تاريخ 18 مارس 1981، كما أعلنت أن الجواز كان ساريا عند زيارة السادات التاريخية للقدس فى 19 نوفمبر 1977، وفى رحلته للولايات المتحدة عام 1978، وقد نفت أسرة الرئيس الراحل علمها بالواقعة أو كيفية وصول الجواز لصالة المزادات، كما نفت مكتبة الإسكندرية تسلمها هذا الجواز ضمن مقتنيات الرئيس السادات، التى خصصت لها المكتبة متحفًا خاصًا، وقد تقدم النائب كريم طلعت السادات عضو البرلمان ببيان عاجل لتحديد ومعاقبة المتورطين فى بيع جواز السفر.
جواز السفر هو وثيقة تاريخية مهمة، وكل وثيقة مصرية تخص زعيم مصرى كبير أو حتى شخصية تاريخية، هى ملك مصر وشعبها، وما حدث هو جريمة لا تقل عن تهريب وبيع الآثار، أو المتاجرة بممتلكات الشعب المصرى، وهذا يفسر غضب الكثير من المصريين الذين يقدرون تاريخ وبطولات الرئيس السادات، لكن فى خضم هذا الحدث، يستكثر البعض ما يكنه المصريون من احترام لهذا الرجل الذى انتصر لأول مرة فى تاريخ العرب الحديث، واسترد الأرض المصرية بالحرب ثم بمفاوضات مضنية مع الجانب الإسرائيلى لتحقيق السلام، وقد نجح فى استعادة كامل الأرض المصرية كما وعد الشعب المصرى.
كان يمكن للسادات أن يكتفى بما حققه بمعجزة حرب أكتوبر 1973، وهو القائد المنتصر، لكنه خرج عن كل المألوف واخترق الجمود الذى ابتليت به الأمة العربية، وسافر إلى القدس وألقى خطابه الشهير فى الكنيست الإسرائيلى، ثم دعا إلى مؤتمر مينا هاوس بعد أن أصر أن تشارك كل دول المواجهة، بما فيها فلسطين، وأن يرفع العلم الفلسطينى، ويخصص مكانا لوفد منظمة التحرير الفلسطينية التى لم تكن إسرائيل تعترف بها، وكانت هذه المشاركة هى اعتراف مهم بمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن بدلا من أن ينتبه العرب لهذه الفرصة الذهبية، أعلنوا الحرب على السادات وقاطعوا مصر وشكلوا جبهة للرفض بقيادة العراق وسوريا، واتهموا السادات بالخيانة والعمالة، فلم يكن أمامه سوى الدخول فى مفاوضات منفردة مع الجانب الإسرائيلى برعاية الولايات المتحدة، التى انتهت بتوقيع اتفاقية السلام فى 26 مارس 1978!
هذا هو الرجل الذى حقق السلام لوطنه، واستعاد كامل أرضها، وهؤلاء هم من وقفوا ضده وما زالوا إلى اليوم يبحثون عن حل لأراضيهم المحتلة ولا يجدون سبيلًا للحل، وهم بين الحين والآخر وحتى يومنا هذا يعلقون فشلهم على شماعة السادات، وقد انتهزوا واقعة بيع جواز سفر الرئيس السادات حتى ظهر البعض من أتباعهم يكررون نفس النغمة، معتمدين على أن البعض ينسى. صحيح أن البعض ينسى، لكن الغالبية تتذكر جيدا كما أن التاريخ منصف، وقد أثبت التاريخ والحاضر أيضا أن السادات كان سابقًا لعصره، ولو كان قد تأخر فيما فعل وما أقدم عليه، لكان حالنا مثل حال من تركوا أرضهم محتلة حتى يومنا هذا، ولا يعلم سوى الله إن كانوا سيستردونها فى يوم من الأيام أم لا، لهذا فإن هؤلاء الذين يدعون الوطنية ويعيدون أسطوانة الخيانة المشروخة، لن ينجحوا فى تشويه تاريخ هذا البطل.